باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

سمية سيد: جامعات النخب

492

أسوأ ما حمله المؤتمر الصحفي لإعلان نتيجة الشهادة السودانية أن نحو 98% من المتفوقين المائة الأوائل كانوا من ولاية الخرطوم. وحتى ولاية الخرطوم لم يكن من بينها الأطراف.. مدارس معينة في أحياء معينة لأسر معينة تمتلك من الأموال ما يجعل أبناءها في مقدمة المتفوقين.
استحوذت الخرطوم بل أسماء مدارس معروفة على جامعات النخب وكليات القمة بما حصل عليه طلابها من نسب نجاح مرتفعة. غابت الولايات تماماً من المشهد، فكان الحاضرون لمؤتمر وزيرة التعليم يصفقون عند إعلان تفوق طالب من الولايات وتكتسي الوجوه بالخجل بشكل واضح.
للأسف الشديد تفوق اثنان من ولاية النيل الأبيض واثنان من كسلا وطالب من دنقلا واثنان من الجزيرة وطالب من كردفان.. نتيجة بائسة تفصح عن تدهور التعليم في الولايات المختلفة، وتحتاج إلى دراسة وتحليل وتقويم لكيلا يصبح التعليم في السودان صفويا خاصا بأبناء الأغنياء فقط بعد أن تنعدم العدالة وعدم تكافؤ الفرص.
قريبتي تحصلت على 80% علمي أحياء، وحين ذهبت للتهنئة وجدت الأسرة كما بيت العزاء، فالنسبة التي حصلت عليها الابنة لا تتيح لها دخول كلية الطب دون رسوم عالية في الكليات الخاصة. المفارقة أن الأسر ذات المقدرة المالية التي تحصل أبناؤها على ذات النسبة أو أقل منها كانوا يذبحون الزبائح ويوزعون الحلوى، هؤلاء وفروا لأبنائهم بيئة تعليمية جيدة من دروس خصوصية في كل المواد وأساتذة وكتب وتكييف وترحيل، فيما كانت قريبتي وأمثالها كثر يقطعون أكثر من كيلومترين سيرا على الأقدام من المنزل إلى مدرسة حكومية تفتقر إلى كل شيء حتى المعلم في المواد الأساسية غير موجود ولا تتوفر في المنزل أي فرص للمذاكرة والاجتهاد.
ظهور التعليم الطبقي في السودان أمر متوقع ونتاج طبيعي للسياسات التعليمية التي تتبناها الحكومة.. إذ أن رفع يدها عن تمويل التعليم في كافة مراحله وارتفاع تكاليفه جعل معظم الشرائح الفقيرة تستغني عن التعليم وتدفع بأبنائها منذ الصغر نحو العمل ومساعدتهم في المعيشة، أضف إلى ذلك عدم ربط التعليم الجامعي بسوق العمل وعدم وجود مردود ظاهر له في رفع مستوى معيشة الفقراء، وما أفرزه من ارتفاع نسبة البطالة، جعل الكثيرون أقل حرصاً على تعليم الأبناء.
صحيح أن الاتجاه العالمي نحو تحمل المجتمع لتكاليف التعليم خاصة المراحل الجامعية، لكن الوضع في السودان ذو خصوصية اجتماعية واقتصادية وسياسية وتمثل الدراسة الجامعية أهمية قصوى للحراك المجتمعي والعدالة الاجتماعية في دولة هزمتها الحرب جراء الغبن وعدم المساواة .
وزارة التعليم عليها أن تُعيد هيكلة العملية التعليمية من خلال تحليل نتائج امتحانات الشهادة السودانية خلال العشر سنوات الأخيرة وأن تضع برامج لإعادة التوازن بإشراك القادرين من أبناء المجتمع في تمويل تعليم أبناء الفقراء. حتى لا يكون التعليم العالي حكراً على النخب .

التعليقات مغلقة.

error: