:: كمن يستجير من الرمضاء بالنار، فإن سلاطين الحرب بجنوب السودان يبحثون عن السلام بالخرطوم.. وفي الخاطر، قبل نيفاشا والانفصال، عندما سألوه عن التدخل الأجنبي في قضية السودان بالجنوب، قال الراحل جون قرنق بالنص: (الزول لو ما ربط الناموسية كويس، والبعوض دخل، غلطان الزول ولا البعوض؟).. وللأسف، فإن قادة الحركة الشعبية وساستها لم يتعلموا من قائدهم أهمية (ربط الناموسية كويس).. لم يتعلموا، فامتلأت بلدهم بأسلحة القبائل والجيوش الأجنبية وأطماع دول الجوار وأجندتها قبل أن يتذوق شعب الجنوب (طعم الاستقلال)..!!
:: وما يزال الضحايا هناك أبرياء لا ناقة لهم في صراع سلفا ومشار، ولا جمل.. شعب طيب، خدعوه بأضلاع مثلث الخير (الحرية والسلام والرفاهية)، فاستجاب للخداع وصدق الشعارات وصوت للانفصال، ليجد نفسه بين أضلاع مثلث برموده (الحرب والفقر والنزوح).. ومهما اجتهدت الإيقاد، ومهما أعطت الخرطوم عطاء من لا يملك، فالسلاح في جنوب السودان لا يعترف بالاتفاقيات.. وسلطة استخدام السلاح بيد حامله وليس بيد سلفا ومشار.. والصراع في جنوب السودان – مدنياً كان أو عسكرياً – لم يعد صراعاً سياسياً، وليته كان كذلك..!!
:: فالشاهد أن أشرس الحروب في تاريخ البشرية هي (القبلية والعرقية).. ولساسة إفريقيا تاريخ أسود في تحويل الأزمات السياسية إلى (مجازر قبلية).. والإبادة الجماعية التي تعرضت لها التوتسي – في أبريل 1994 – من قبل الهوتو، والتي هزت ضمير العالم بعد مقتل ما يقارب الثمانمائة ألف نسمة، لن تكون آخر المجازر – على أساس العرق والقبيلة – بإفريقيا، ما لم يفرض المجتمع الدولي السلام في دولة جنوب السودان بقوة السلاح، وليس باتفاقية الخرطوم وغيرها من الاتفاقيات التي لا تبارح آثارها عواصم وقاعات التفاوض والتوقيع.. فالأزمة في الجنوب كانت سياسية، ولكن – بسوء إدارة أطرافها – لم تعد سياسية..!!
:: والمآسي التي حدثت – وما تزال – بدولة الجنوب لم تحدث طوال سنوات الحرب التي كان فيها الجنوب إقليماً من أقاليم السودان.. أهلها يطحنون بعضهم على الأرض (بعد السؤال عن القبيلة)، ثم تقصفهم الطائرات اليوغندية (بدون السؤال عن القبيلة).. فالوحدة كانت مثل (طبق البيض)، أي كانت تمنع قبائل الجنوب عن تكسير بعضها، أو كما يحدث حالياً.. وكذلك كانت الوحدة كما الغطاء العريض، أي كانت تقي الجنوب من أطماع بعض دول الجوار وأجندتها.. والمؤسف أن السادة بجنوب السودان يجهلون أن وقوف دولة بثراء دولتهم بساقيها في عالم اليوم – الضاج بتقاطعات مصالح الذئاب الدولية والإقليمية – ليس بالأمر السهل..!!
:: وكما أخطأ رياك مشار بلي عنق المؤسسية وهو في منصب نائب الرئيس، أخطأ الرئيس سلفا كير أيضاً بلي عنق الديمقراطية بقرار عزل مشار واتباعه بقرارات ( فردية).. وهنا، رجع مشار إلى (عادته القديمة)، وهي الاحتماء بالقبيلة لتنفيذ أجندته السياسية، وتحويل الصراع من أزمة سياسية إلى (حرب أهلية)، في الميدان والنفوس.. وعليه، ليس بالمهرجان الذي يحدث في الخرطوم حالياً، بل ما لم يفرض المجتمع الدولي السلام بالقوة، وما لم تتجاوز النخب وأحزابها ومنظمات مجتمعها المدني محطة سلفا ومشار وكل أطراف المعارك و(الغبائن القبلية)، فلن تتوقف الحرب الأهلية ومجاز السلاطين، ولن يصبح جنوب السودان ( دولة)..!!
Tahersati@hotmail.com
التعليقات مغلقة.