:: رغم أنها من الظواهر الطبيعية، إلا أن دائرة انتشارها تتسع في شهر رمضان بشكل مزعج.. ظاهرة التسول، مع التركيز على جريمة التسول بالأطفال في شوارع الخرطوم.. فالتسول من الأطفال من الجرائم المؤلمة وذات مشاهد محزنة في نهارات وليالي رمضان.. وكما هناك لجنة عليا لاستقبال شهر رمضان، بالخرطوم لجنة عليا أيضاً لمكافحة التسول.. تسول المواطن وليس الدولة، لأن مكافحة تسول الدولة ليست بحاجة إلى لجان، بقدر ما هي بحاجة إلى إرادة سياسية تفرض الديمقراطية والسلام وتحارب الفساد وتوفر مناخ الإنتاج..!!
:: المهم.. التسول في شوارع الخرطوم لم يعد مجرد (ظاهرة)، بل تجاوز مرحلة الظاهرة بحيث صار (طبيعياً).. وليس من العدل ربط التسول بالفقر ثم التبرير للمتسول بهذا الربط غير المنطقي.. في ربط التسول بالفقر حكم جائر على الملايين من الفقراء الذين تحسبهم أغنياء من (التعفف)، ولا تراهم في شوارع المدن.. فالفقراء لا يحترفون التسول، ولا يحتالون على الناس بابتكار فنون التسول، ولو خرج كل فقراء بلادنا ومساكينها إلى عالم التسول لما وسعتهم شوارع المدن.. وعليه، يجب علينا ألا نظلم الفقراء والمساكين بحيث يتخذهم المحتال غطاءً للاحتيال..!!
:: والمُزعج والأخطر في شوارع الخرطوم، وخاصة في هذا الشهر الفضيل، هو التسول بالأطفال.. هذا ما يجب مكافحته بقوة القانون.. وفي ذات زاوية تحدثت عن إحدى التجارب الإفريقية الناجحة بالسنغال، وهي إحدى دول العالم الثالث والأخير (زينا كدا)، عندما عجزت السلطات عن مكافحة ظاهرة التسول، وضعت لها قانوناً بغرض التنظيم.. نعم، قانون لتنظيم التسول.. ومن نصوص القانون المنظم للتسول، منع التسول بالأطفال ثم فرض عقوبة السجن على المتسول.. خلال أسابيع، قضت السلطات هناك على ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، ونالت إشادة منظمات المجتمع الدولي..!!
:: فالتسول بالأطفال (جريمة مزدوجة).. أي إن كان تسول القادر على العمل (جريمة)، فإن استغلاله للطفل في تسوله (جريمة أخرى).. بالخرطوم، قبل أشهر، مات بشارع المستشفى أحد الأطفال الذين تم استغلالهم في التسول، ونشرت الصحف حدث موته، وتم فتح بلاغ وانتهت القضية، ومع ذلك موت ذاك الطفل – في شارع المستشفى – لم يمنع استغلال الأطفال في ذات الجريمة وفي ذات الشارع وغيره. طوال ساعات الهجير، وحتى ساعات الصباح الأولى، تجدهم يحملون الأطفال.. هناك قانون لمكافحة التسول، ولكن لا يظهر أثره في الشوارع..!!
:: ثم إن القانون وحده لا يكفي.. فالمكافحة بحاجة إلى خطة عمل وليست (دفار كشة).. يجب رصدهم، ودراسة حياتهم الاقتصادية والاجتماعية بإحصائية دقيقة، وليست تقديرية كما كل إحصائيات بلادنا.. من بحاجة إلى لقمة العيش يجب إحالته إلى صناديق الرعاية الاجتماعية، لتلتزم لهم بالمأكل والمشرب والعلاج بالدعم مباشر إن كان عاجزاً عن العمل، أو بتدريبه على وسائل إنتاج ثم تمليكه لتلك الوسائل إن كان قادراً على العمل.. ومن ليس بحاجة إلى مال التسول، ولكنه فاقد تعليمي ويجهل مضار التسول، فيجب إحالته إلى دور التربية والتعليم والإرشاد، لتقويم السلوك.. فما لم تكن هي ذاتها تتسول ميزانيتها، فعلى اللجنة العليا لمكافحة التسول إيجاد الحلول..!!
التعليقات مغلقة.