:: يوم أمس، بهذه الصحيفة، تعليقاً على مكرمة إماراتية، كتبت زميلتنا العزيزة سمية سيد في زاويتها العريقة كلاماً صريحاً تحت عنوان (لا للتسول).. أما الخبر الذي أحزن سمية وأغضبها هو إعلان دولة الإمارات عن بدء ما سمته بخطة عاجلة لتوزيع مواد غذائية في بعض ولايات السودان عبر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وتأكيدها بأن وفداً من الهيئة سيتوجه إلى الخرطوم خلال الأيام القادمة للإشراف على توفير المواد الغذائية من الأسواق المحلية وإيصالها إلى المستفيدين في مناطق وجودهم سواء داخل أو خارج الخرطوم..!!
:: غضب العزيزة سمية يذكرني بأحد مواقف شاعرنا الجميل (ود بادي).. يوم تكريمه بالخرطوم، وصف حال الذين يكابدون رهق الحياة من أجل اللقمة الشريفة، بالنص الشعري: (الوادي الجَانا مَترقَّن / مدَّ جِناحو الطايِل شَرقاً وغرباً / القِبلِي بُروقُو علي القلعات إتضربَّن / الدُكُن البِعدَن قِربَن / فوق صَنقور المَحَلَة الطالت كَبَّن / قُول للمَحَلَة بِيوتِك خِربَن / قُول ما دِلَة.. الحَلِق الجَاف إِتبلَّ / بالحيل آ جني إيه والله.. مرحاتنا شرابهن يوت ما غبَّن / شبعانات في الشِقِل أب شوك..ما شبَّن / الحُمَّل وِلدَن.. وربَّن / حلماتِن تقلن.. جَرَّن / فوق سيقانن كبَّن/ اللبن العاتِم في ضِرعاتِن جبَّن/ المَغسَة إن كان ضِرعاتِن خِربن / القَرعَة آ وِليد ..السِعِن آ بنيَّة / القِربَة كمان.. كُبُوها الميَة / المَغسة إن كان ضِرعاتِن خِربَن / شُوفوا النِعمة السالت فوق قيزان الرملة/ ناس البندر لبن الشاي بالعُملة؟)..!!
:: وكأن الشعر لا يكفي، قطع ود بادي قصيدته، وخاطب الحشد صائحاً: (بالله عليكم، أنا طالب المسؤولين ياخ، لا تقتلوا قلوب السودانيين بالزكوات والصدقات وما إليها، ياخ الصدقات دي والزكوات دي بتقتل قلوب الرجال، ومكابدة الفقر مطلوبة)، وضجت الأيدي والألسن بالتصفيق الهتاف.. وما ضجت الأيدي والأيدي إلا لأنها تربت على (التعفف).. فإلى وقت قريب، كان الناظر إلى أهل السودان يحسبهم أثرياء من العزة والكبرياء.. ورغم حاجتهم إلى كل الأشياء، ما كانوا يمدون الأيدي للغير، وما كانوا يسألوا الآخرين طعامهم وشرابهم ليعطوهم أو يمنعوهم.. كانوا يكابدون الفقر ورهق الحياة في أريافهم ومدائنهم، ويعيشون بالقليل من متاع الحياة.. بالقليل، ولكن بعزة وكبرياء..!!
:: ولكن، شاء القدر أن تُبتلى البلاد بنهج من يقتلون العزة والكبرياء بمثل هذه الصدقات.. وهي ليست المكرمة الإماراتية فقط.. فعلى سبيل المثال الحنظل، بعد موسم الحج مباشرة، كثيراً ما تكرم السلطات السعودية السودان بحصتها من لحوم الأضاحي المجمدة منذ موسم الحج.. وبلا حياء ينظم السادة هنا احتفالاً لاستلام هذه الصدقة.. والمدهش، قبل ثلاث سنوات، وبعد استلامهم حصتهم من الصدقة، أعلن الدكتور علي محمد خير، وكان وكيلاً لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، عن تشكيل لجنة عليا وظيفتها توزيع الصدقة على ولايات السودان بالعدل.. ولا يزال السودان في قائمة الـ (27 دولة)، وهي قائمة الدول الأفقر التي تمد يدها – سنوياً – لصدقة السعودية، أي قائمة الدول (غير المتعففة)..!!
:: بلادنا يشقها النيل من أقصاها إلى أقصاها، وتغرقها الأمطار في الخريف، وأرضها الخصبة على مد البصر، ومعادنها النفيسة محشوة في جوف جبالها وباطن أرضها، وثروتها الحيوانية تُعد بالملايين، وغابتها تزاحم أشجارها بعضها، ومشاريعها الزراعية تتوسد شواطئ أنهارها، وإنسانها قادر على العطاء، ومع ذلك بلادنا كما إبل الرحيل (شايل السُقا وعطشانة).. فما الذي ينقصنا بحيث تكون يد السودان هي العُليا؟ وما الذي ينقصنا بحيث لا تموت قلوب الرجل والنساء بصدقات رمضان ومكرمات عيد الأضحى وإغاثات الخريف و.. و..!!
Tahersati@hotmail.com
التعليقات مغلقة.