-1-
أثناء تجوالي على القنوات الفضائية ذات ليلة، عثرتُ على حلقة حوارية مُتميِّزة بقناة أم درمان.
كان الزميل الحبيب، بكري المدني، يُحاور مُحامياً وناشطاً في مجال حماية الطفولة.
الموضوع كان عن جرائم اغتصاب الأطفال المُتعدِّدة، التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وبلغت أبشع صورها الجريمة التي تنظرها المحاكم الآن: جريمة اغتصاب ثلاثة أطفال أشقاء، من قِبَلِ ذئبٍ بشريٍّ عديم الإنسانية مُعتلِّ الضمير .
وجرائم أخرى ارتُكبت في خلاوى تحفيظ القرآن، وفي مدارس أساس ومن قِبَلِ أقارب أو جيران.
-2-
أسئلةُ بكري، كانت دقيقةً ومُباشرةً عبر أسلوب السَّهل المُمتنع، وإجابات الضيف كانت جريئة ووافية.
للأسف، مُعظم من يتناولون هذه القضية الخطيرة، تجدهم يتعاملون معها بحذرٍ واقتضاب، وبصورة وعظية باهتة ومُعمَّمة، تنتهي إلى بُكائيَّاتٍ سُرعان ما تجفُّ دموعها ويتلاشى أثرُها في مجرى الحياة الجارف .
-3-
حوار بكري، تناول الظاهرة بكُلِّ أبعادها، الرأسية والأفقية، وتناول تفاصيل كانت في حيِّز المسكوت عنه، وتحت لافتة حمراء مكتوب عليها (ممنوع الاقتراب).
قبل سنوات، حادثتني سيِّدة مجتمع، عن تعرُّض ابنها للاغتصاب، من قِبَلِ مُدرِّب سباحةٍ في أحد الأندية، التي تتبع لجهة نظامية. وحينما ذهبت الأسرة للقضاء، كانت عقوبة الجاني مُخفَّفةً، لم تتجاوز العام.
حينها كَلَّفتُ الصحفية المُحقِّقة المُتميِّزة، سهير عبد الرحيم، بإجراء تحقيقٍ عن القضية. الأسرة ملَّكت سهير كُلَّ التفاصيل، وعندما نُشِرَ التحقيق آثار ردود فعل واسعة، ترتَّب عليها تعديل قانون حماية الطفل لتصل العقوبات إلى الإعدام، ونالت سهير جائزة من اليونيسيف على نشاطها الصحفي في مجال حماية الطفولة.
-4-
لفت شقيقي دكتور معتز، نظري لمقطع فيديو في اليوتيوب، لفتاة سودانية، تتحدَّث بكُلِّ شفافيةٍ ووضوحٍ عن ظاهرة التحرُّش والاغتصاب، وكيف أنها تعرَّضت لذلك في طفولتها من قِبَلِ بعض أقاربها، الذين كانوا موضع ثقة أهلها.
من الواضح أن المجتمع الآن، أصبح لا يتستَّر على مثل هذه القضايا، ولا يحمي المُجرمين بالصمت ودسِّ الرؤوس في الرمال.
والد الأشقاء الثلاثة، ذهب بموجعته إلى الصُّحف، وذرف الدموع وسرد الحقائق.
أمُّ الطفل حمادة، قبل سنوات، فعلت ذات الشيء بكُلِّ جسارة وثبات، والآن فتاة الفيديو تنبش التاريخ، وتضع الملح على الجراح.
-5-
المُحزن أن الأجهزة الحكومية اكتفت فقط بتشديد العقوبات، رغم أن هذا التشديد منذ سنوات، ولكنَّه لم يحد من الظاهرة، ولم يُمثِّل رادعاً للمجرمين، والدليل تزايد المُمارسات الشاذة بصورة أكثر وحشية، مثل اغتصاب الأشقاء الثلاثة.
كان الأوْلى والأجدى، أن تُصبح قضية حماية الأطفال من التحرُّش والاغتصاب، مادَّةً مدرسيةً تُعلِّم الأطفال كيفية حماية أنفسهم من المُعتدين ورد أذاهم، ومادَّةً إعلاميةً ثابتة، تُثقِّفُ الأُسر عن كيفية حماية أطفالهم وتشجيعهم على البوح، والأفضل التوسُّع في ذلك عبر الأعمال الدرامية والبرامجية.
-6-
لأكثر من مرَّة، كتبتُ عن ضرورة فرض استخدام كاميرات المراقبة في الأماكن العامة والمحال التجارية والمدارس والمكاتب الحكومية، للحدِّ من الظواهر السالبة والإجرامية، كما يحدث في أغلب دول العالم التي استطاعت الحدَّ من الجرائم وسرعة اكتشافها حال وقوعها عبر وجود عدسات لا تعرف التثاؤب .
من المُمكن التوسع في استخدام الكاميرات، في كُلِّ الأماكن التي تجمع الأطفال بالكبار.
ليت الجهات المُختصَّة، شرعت في وضع ضوابط مُلزِمة، قابلة للرقابة والمتابعة لخلاوى القرآن، التي أصبح لها حضورٌ في سجلات التعدِّي على الأطفال.
-أخيراً –
نعم، هذه الظاهرة الشاذة لن تنتهي بتلك الإجراءات، ولكن، من المهم الحدُّ منها في أضيق حيز عبر ثنائية التثقيف والعقاب، حتى لا ينشأ جيلٌ مكسورُ العين وجريحُ الكبرياء، تُحرِّكه نوازع الشَّرِّ والانتقام .
التعليقات مغلقة.