معلومٌ أن قرار الحكومة بتحجيم الواردات جاء بسبب الضغط الكبير الذي عانى منه الاحتياطي النقدي من العملة الحرة.
لكن هل كل الاستيراد هو شر على الأوضاع الاقتصادية وينبغي الاستمرار في حالة التضييق التي تنتهجها الحكومة الآن.. وما التأثيرات المحتملة حال استمرار الحكومة في هكذا قرار.
نعم نجحت سياسة التدخل الإداري في خفض سعر الصرف.. أمس هبط سعر الدولار ليلامس 27 جنيهاً.. وهو أمرٌ مطلوبٌ لكن إلى متى تظل الحكومة مستمرة في عملية التجفيف القسري
هناك فرق بين أن يكون تحجيم الاستيراد بهدف خفض الدولار فقط وبين أن يكون سياسة ذات أهداف اقتصادية ترمي إلى إحلال الواردات من خلال تطوير الصناعة الوطنية وتعظيم دورها، وهذا الاتجاه يحتاج بالطبع إلى تشريعات وقانون يصادق عليه البرلمان حتى يكون مُلزِماً للجهاز التنفيذي بحيث يتمتّع الإنتاج المحلي بامتيازات وإعفاءات، كما هو الحال في عدد من الدول النامية التي نهضت بصناعاتها، وتمكّنت من إحلال الواردات، وقلَّلت من الضغط على العملة الحرة بالإنتاج وليس بوضع الرجل على فرامل العربة.
صحيح في السنوات الأخيرة حدث انفلات في الاستيراد بشكل مزعج، فتكسرت الصناعة الوطنية وانخفض الجنيه بطريقة مخزية؛ لكن تدخل الحكومة المفاجئ وضرب كل الواردات بحجر واحد قد يدخل البلاد في مشكلات اقتصادية عصية وسيكون العلاج ذا كلفة عالية أيضاً.
فليس من المعقول مثلاً أن تتوقف عمليات استيراد السلع الرأسمالية والسلع الوسيطة، والمواد الخام لقطاعات حيوية كالزراعة والصناعة والخدمات.
الآن تعيش الأسواق المحلية ندرة في كثير من السلع الاستهلاكية، كما أن الكميات المخزنة في طريقها إلى النفاد، مما يعني أن المواطن مقبل على صيف أسعار ساخن مع اقتراب شهر رمضان.
المشكلة الحالية في شح السلع في الأسواق ذات شقين: أحدها الإجراءات والتعقيدات المفروضة على الاستيراد والثانية في مشكلة توفير النقد الأجنبي للاستيراد بعد حظر الاستيراد دون قيمة.
تعامل الدولة مع الاستيراد في السودان يفتقد للسياسات ذات المنهج والأهداف، فهل يوجد اتجاه عام لإحلال الواردات وفق خطة واضحة وبرنامج تنفيذي زمني؟ هل الدولة تنطلق من سياسة التحرير الاقتصادي فتفتح أبواب الاستيراد على مصراعيه ولا تتدخل إلا مضطرة بعد انفلات الدولار فتتخذ إجراءات إدارية بعيدة كل البعد عن السياسة المعلنة وهي التحرير؟
بصراحة لا نعرف ماذا يدور في رأس الحكومة من أفكار.
التعليقات مغلقة.