في البدء، لم أستحسن قرار محافظ بنك السودان بإعفاء أربعة من مساعديه وإلغاء وظائفهم.
تبادر إلى ذهني أن المركزي – كما يرى الكثيرون – كأن به شيء من الفوضى، الأمر الذي يتطلب وجود “ستاف” مؤهل لمتابعة ملفاته المتبعثرة وأعماله المتعددة، والتجاوزات التي تحدث من البنوك هنا وهناك.
سارعت بإلغاء الاعتقاد حينما عجزت عن تتبع “هيكلة البنك” التي تحتاج إلى “ورقة A3” أو خمسة دفاتر رسم بياني لمعرفة عدد مديري البنك.
تخيلوا.. هناك المحافظ، والنائب الأول للمحافظ، ونائب المحافظ، ثم أربعة من مساعدي المحافظ، وكل مساعد يرأس قطاعا به عدد من الدوائر، ولكل دائرة مدير ونائب مدير، وتتفرع من الإدارات أقسام ولكل قسم رئيس ونائب رئيس، يتخلل هؤلاء في كثير من الأحيان منصب “مساعد” ووظائف أخرى.
إن كانت هناك ورقة لا بد أن تمر عبر هذا “السيستم” العقيم.. كم سنة ضوئية تحتاج؟!
“معقولة؟”.. آلاف الموظفين ومئات الرؤساء والمديرين والمساعدين، وتخرج قرارات البنك هزيلة، متخبطة وعشوائية، تترك التجاوزات التي يراها الأعمى قبل البصير، وتمسك في الهوامش وصغائر الأمور؟
دعكم من أي شيء.. أمام المحافظ ونائبيه ومساعديه الأربعة ورؤساء أقسامهم وموظفيهم قوانين ولوائح يحفظونها عن ظهر غيب.
المادة (46) من لوائح المركزي تقول: (لا يجوز لأي شخص يكون رئيساً أو عضواً في مجلس إدارة أو مديراً عاماً أو مستشاراً قانونياً في أي مصرف أو له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإدارة أي مصرف أن يقوم أثناء عمله مع ذلك المصرف بأعباء أي منصب في أي مصرف آخر إلا بإذن البنك).
ما الذي يجعل الاستثناء مسموحاً للبنك، رغم تضارب المصالح الواضح في الدمج بين وظيفتين؟!
ولماذا يُمنح الاستثناء للبعض ويُرفض للبعض الآخر؟!
إن ذلك أشبه بأن تكون رئيس تحرير صحيفة، ونائب رئيس تحرير صحيفة أخرى!
لقد سمح المركزي لمحافظه الأسبق والقيادي المعروف في المؤتمر الوطني صابر محمد الحسن أن يشغل منصب رئيس مجلس إدارة إحدى البنوك ونائباً لرئيس مجلس إدارة بنك آخر..
وللباقر يوسف مضوي أن يكون رئيساً لمجلس إدارة بنك، ورئيس لجنة ببنك آخر..
والقائمة تطول!
بنك السودان، به ترهل واضح، يُجامل من يريد ويتعنت ويستخف بمن يشاء.. يتخذ القرارات ويتراجع عنها دون أن يرمش له جفن.
من قبل، أعلن المركزي استيراد القمح، وتراجع عن القرار.. ألزم المصدرين ببيع 25% من حصائل الصادر إليه وتراجع عن القرار.
سمح لشركات الذهب بتصدير الذهب للخارج وألزمها ببيع 30% للبنك ثم رفع النسبة إلى 50% وألغى كالعادة القرار معلناً عن احتكار الذهب.
نحتاج لآلاف الأوراق لنسرد إخفاقات المركزي.
التعليقات مغلقة.