في العام 1991 كون بنك السودان المركزي لجنة داخلية لمراجعة التمويل الذي تمنحه البنوك التجارية لعملائها ومدى التقيد بشروط منح التمويل وكفاية الضمانات. اللجنة وجدت فرعا بولاية الجزيرة لأحد البنوك له رأس مال صغير حجما منح أحد العملاء تمويلا بقيمة مليار جنيه، كان المبلغ وقتها ملفتا للنظر مقارنة بحجم رأس مال البنك وبالنظر أيضا للفرع موقعه. تقصت اللجنة عن الشخص الذي مُنِحَ التمويل فكانت المفاجأة أنه ترزي بسيط لا يمتلك ما يمكن أن يقدمه من ضمان غير ماكينة خياطة في سوق شعبي بالمدينة ثم اتضحت الحقيقة وتكشفت بأن صاحب التمويل الحقيقي أحد التجار المتعثرين الذين تمنعهم قوانين البنك المركزي من الحصول على تمويل جديد قبل سداد المبالغ السابقة. كان هذا قبل ظاهرة الجوكية طبعا.. لكن ظاهرة استحواذ بعض الأفراد دون غيرهم بتمويلات المصارف ظاهرة ليست جديدة وإن اختلفت أشكالها وتطورت الآن.
مطلوب من الجهات التي تعمل الآن على محاربة الفساد البحث في عملية تركيز التمويل المصرفي لدى عملاء بعينهم وذلك على خلفية اجتماع مجلس الإدارة العاصف الأيام الماضية للبنك الكبير بعد اكتشاف أن عميلا واحدا من عملاء البنك حاز على مبلغ ترليون جنيه لتمويل إحدى العمليات.
كنت أتحدث مع اقتصادي مصرفي كبير أمس حول مخاطر تركيز التمويل المصرفي على البنوك وعلى الاقتصاد الوطني، ففاجأني الرجل بالقول إن أحد البنوك منح عميلا واحدا من رجال الأعمال المعروفين مبلغ 3 ترليونات جنيه تحت زعم استيراد سلع استراتيجية تحتاجها البلاد، وهو ما يوازي 3 أضعاف رأس مال البنك المعني.
ثمة عشرات الأسئلة التي يجب أن تُوجَّه لبنك السودان المركزي قبل البنوك التجارية، تبدأ بالسؤال عن سياسات البنك المركزي وأسس منح التمويل وحجمه مع السقف الائتماني المحدد، ورأس مال البنك الذي يقدم التمويل وليس بالضرورة السؤال عن الضمانات ومدى كفايتها.. والأسئلة أيضا تتجه نحو القطاعات التي تمنح التمويل وإذا ما كانت هناك أولويات خاصة بالتنمية والإنتاج.. ثم تذهب أسئلتنا حول كيفية استحقاقات الحصول على التمويل وإذا ما كان البعض يحظى بتسهيلات لا يجدها آخرون.. وفي هذه الجزئية بالذات استحضر ردا من دكتور صابر محمد الحسن وكان وقتها محافظا للبنك المركزي عندما سألته عن ما يتردد من تجاوز لبعض البنوك في منح التمويل خاصة لأعضاء مجالس الادارات المحظورين بالقانون. د.صابر قال لي بالنص إن بعثة صندوق النقد الدولي التي تراقب الأداء الاقتصادي للسودان وكانت لديها ملاحظة حول طرق منح التمويل المصرفي سمتها التمويل ذا العلاقة.. استفسرت عن المعنى، فقال لي إنهم يعتقدون أن التمويل المصرفي يُمنح لأفراد بحسب العلاقة الخاصة سواء كانت علاقات سياسية أو شخصية عن طريق المعارف.
بلا شك أن عمليات تركيز التمويل المصرفي في أيادٍ معدودة من أكبر المخاطر على التنمية الاقتصادية، كما أنها وبخلاف أضرارها على قطاعات الإنتاج الحقيقية، فهي بعيدة عن العدالة الاجتماعية وتحرم كثيرا من فئات المجتمع من الاستفادة من موارد البنوك، ثم إنها أكبر أبواب الفساد التي يجب أن تُغلق.
عاجل
- رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية
- الجيش يبسط سيطرته على الدندر
- استشهاد قائد منطقة البطانة العميد أحمد شاع الدين
- البرهان يتفقد المواطنيين بمدينة أمدرمان
- طيران الجيش يقصف مواقع تجمعات قوات الدعم السريع شرق الفاشر
- السودان.. إسقاط مسيرات في مدينة كوستي
- السودان.. حرق برج الاتصالات في الخرطوم
- حميدتي يقيل مستشاره يوسف عزّت
- الجيش يصدّ هجومًا للدعم السريع على مدينة سنار
- السودان..إسقاط مسيرات في كوستي
التعليقات مغلقة.