بعيداً عن هوس كرة القدم وملاحقة الاخبار وكتابة العمود اليومي نكتب عن الفن والشعراء والأغنية، كتابات قد تجد القبول عن البعض ، والامتعاض عند الآخرين لكن في النهاية هي محاولات للترويح عن النفس بعيداً عن ضغوط الحياة وضغوط كرة القدم باحداثها التي لا تنتهي …!
قسم
والجيش العربي والمصري هناك في الفالوجة في العام 1948 محاصراً أرسل قائد القوات المحاصرة برقية (للست) أم كلثوم وطلبوا منها أغنية (غلبت أصالح روحي ) لم تترد(الست) ولبت الطلب، ثم أعقبتها بأغنية في حفلها الشهري الثاني أنا في (أنا في انتظارك يا حبيبي) ويقول مقطع الاغنية التي قام بتأليفها احمد راضي ولحنها رياض السنباطي
غلبت أصالح فى روحى عشان ماترضى عليك
من بعد سهدي ونوحي ولوعتي بين إيديك
صعبان علي اللي قاسيته في الحب من طول الهجران
مااعرفش إيه اللى جنيته من بعد مارضيت بالحرمان
فضلت أقول الزمان غير على البعد حالك.
اما الاغنية التي اختارتها الست وأهدتها للجنود هناك في الفالوجة فكانت هي اغنية (انا في انتظارك) التي الفها بيرم التونسي وصاغ الحانها الشيخ زكريا احمد والتي يقول مطلعها:
أنا في نتظارك خليت
ناري في ضلوعي وحطيت
إيدي على خدي وعديت
بالثانية غيابك ولا جيت
يا ريتني عمري ما حبيت
عايز أعرف لا تكون غضبان
أو شاغل قلبك انسان
خليتني من يأسي أقول
الغيبة دي غيبة على طول
واتفكر إيه اللي جنيت..!
ويقول المؤرخون ان تلك الاغنية كان لها فعل السحر في الكتيبة التي كان يقودها الضابط السوداني سيد بطة.
تنتهي الكلمات وتكتفي
الدموع بالتعبير
حزن القلب ودمعة العين واسترجاع كل الذكريات… الذكريات هي الشيء الذي يبقى لدينا بعد الفراق…… ذكريات قد تمزج بين ابتسامة، ودمعة أو أن تضيف دمعة إلى دموع الفراق.
ذكريات سنوات ربما قضيتها مع الأحبة، تسترجعها في دقائق بسبب الفراق.
والجيش العربي يغادر فلسطين بعد تحريرها في العام 48 تجلت عبقرية بيرم التونسي وصاغ دررا ابكت الجميع .
دعونا من الست وبيرم ورامي وتعالوا لشعرائنا العظام، فالشاعر السوداني مسكون بالابداع والجمال في زمن قل فيه التعليم، والتاريخ يحدثنا عن الشاعر الفذ ابراهيم العبادي وهو يدعو لاجتماع في العام 1916 يدعو فيه خليل فرح وديمتري البازار واحمد حسين العمرابي وأولاد المفتي (أشهر موزعي الاسطوانات في ذاك العهد البهيج يسمعهم الغناء الجديد بعد انحسار موضة (الطمبارة) وينشد عليهم ما جادت به قريحته ويقول التاريخ ان ما أنشده العبادي ليلتها كان هو بداية أغنية الحقيبة الحقيقية بقصيدة (ببكي وبنوح وبصيح للشوفتن بتريح) والتي ترنم بها سرور وأداها بعده بادي محمد الطيب بتطريب عال والتي يقول مطلعها:
ببكي وبنوح وبصيح للشـوفـتـن بتـريح
فرع النقا المميح مـنو المـسـك بفيح
وكتين صباحو يبيح بلـبل قلوبـنا يصـيح
ياجـنـة الطبيعة ايـاك زهـرة ربـيعا
صحت شراها وبيعا عـينيك حروب ربيعة
ختمو البروق ورعودو تـغـريد بلابل عودو
نظروا الخلق لي عودو جافي المنام مـا بعودو.الي ان يصل الي :
الجيدا طال واتني ودر جـماعـة متـلنا
التوب شبك في التنة يانـاس انحـنا كتـلنا..!
بربكم الم نقتل عياناً بياناً وشعراء بلادي الان ان جازت تسميتهم بالشعراء وهم يرددون اقبح الكلمات بلا لغة ، ولا وزن ، الشعر في بلادي بات ترفا عن البعض، الشعر في بلادي بات يغنى لاصحاب الأموال ورجال الأعمال، انقرض شعر المحبوبة، انقرض الشعر العذري، تلاشى المضمون وحل محله (المجون) والرقص الخليع.. وبات أكثر من (متشاعر) شاعراً فهبط الذوق وانقرض (السميعة).
والشاعر الكبير ابراهيم العبادي يعد هو أكبر وألمع شعراء الدوبيت السودانيين وقد اطلق عليه زملاؤه أمير الشعراء وهو أمير الشعراء حقاً وصدقاً وصاحب الأثر الكبير في الدوبيت والشعر الغنائي وهو بلا شك رائد مسرح الشعر القومي السوداني وابراهيم العبادي مثله وبقية شعراء الربع الاول في هذا القرن من مواليد عصر المهدية في القرن الماضي، وكان احد الشعراء الذين قام على أكتافهم فناء الطمبور ثم شارك مع صديقة محمد أحمد سرور في تأسيس غناء حقيبة الفن وكانت البداية سنة 1914 وخلال مايزيد على نصف قرن كتب العبادي مجموعة من الأغنيات التي تعتبر من روائع الغناء السوداني.
ثم هناك من مبدعي بلادي الذين رحلوا بعد أن عطروا دنياواتنا بالطرب الأصيل الشاعر الفذ عبيد عبدالرحمن ، وسيد عبدالعزيز، ومحمد بشير عتيق، الى جيل سيف الدسوقي ومن بعده كل هؤلاء وأولئك قدموا لنا فناً وشعراً راقياً ظل خالداً وسيظل خالداً ما حيينا.
وعبيد عبدالرحمن مثل صديقه سيد عبد العزيز وسائر شعراء الحقيبة فقد كان عف الحب يهتم بجمال الروح والذوق السليم.
فقد كان الحب العذري عنده سجية ولكنه عندما اضطر الى الوصف الحسى فاق الجميع الشعراء الذين تنافسوا فى وصف فتاة أثناء الرقص فى قصيدة (منظر شىء بديع ما أحلى الغزل).
وعبيد عبد الرحمن حديقة مختلفة الألوان تفوح بالشذى والطيب وهو كشجرة النخيل.
كلما هززناها تساقطت رطباً جنياً وهو ينشد:
يا سليم الذوق الجمالك صار
زينة الأيام و متعة الأبصار
سامي حسنك جل عن حصى واحصار
وكل جميل لجمالك دونه والاقصار.
التعليقات مغلقة.