في كل مرحلة من مرحلها تُوقع الإنقاذ إتفاقات مع قوى مدنية أو عسكرية تشاركها السلطة، فضلاً عن ترقية عناصرها وتصعيدهم في القطاع السيادي، ونتيجة لذلك كثرت أعداد الدستوريين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم، وباتوا كجيش في جنح الليل يزحف بالحصى، ولكن الزحف ليس في إتجاه الأعداء بل نحو خزانة الدولة فهؤلاء كـ(السافوتة) كانوا في الحكومة أو خارج أسوارها.
وتجد الدستوري في عهد الإنقاذ مصمم على أنه دستوري إلى الأبد لا يتراجع عن مخصصاته ويريد أن يرضع من ثدي السلطة حتى وإن خرج منها، وهذا السلوك لا يشمل الكل بل الغالبية العظمي، الذين لا يعودون لمهنهم السابقة.
بعض هؤلاء يتفرغون تماماً لقيادة حملات نقد واسعة ضد الذين تولوا الأمر من بعدهم، ولا يكترسون لفعلهم هذا حتى ولو أضعف الدولة لأنهم إنتهازيون يعملون بنظرية (يا فيها يا أطفيها)، ومن الطبيعي جداً أن تسمع أن الوزير السابق بـ(حفر) للوزير الجديد ويعمل على كشف قصوره وفضائحه حتى يعود مرة أخرى لذات الكرسي، ويجند لذلك بعض طاقم الوزارة لمده بأسرارها وملفاتها، ويكتمل العضاض بين الإخوة الأعداء ليصل الى الصحف وبذلك يعلم الشعب السوداني تفاصيل عن الفساد لم يكن يدركها لولا صراع الجبابرة.
من الواضح أن الدستوريين الذين يعملون للعودة عبر (الحفر) هم أصحاب المقدرات المالية والذين تمكنوا خلال فترات إستوزارهم ولهم علاقات أصيلة بالإنقاذ (أولاد الكار)، ولذلك يدركون جيداً كيفية الإستفادة من الملفات وتحريكها بآجال يحددون فيها ساعة صفر المعركة.
أما النوع الثاني من الدستوريين المتقاعدين ليس بسن المعاش وإنما بالإستغناء، هم الذين تسوء أوضاعهم لفقدانهم السلطة، فيتحولون إلى عطالة يجوبون في الأسواق ويحاولون الدخول الى عالم التجارة ولكنهم لا يفلحون، فيستحلون إستغلال من يعرفونهم من الوزراء الجدد، يكثرون من تقديم طلبات الاعانات، فتجدهم كل يوم يطرقون أبواب المسؤولين إستجداءً للدعم الإجتماعي وغيرها من الوسائل المبتدعة لحل مشاكلهم من قبل الحزب الحاكم.
يكاد يكون السودان هو البلد الوحيد الذي يهرب فيه الدستوري الذي تم الإستغناء من خدماته من العودة الى مهنته السابقة ويظن أن في ذلك تراجعاً وإن فعل سيستحقره جيرانه وأهله وعشيرته الذين (رفع القزاز) عنهم عندما كان مسموح لسيارته بـ(التظليل).
جيوش (الدستوريين المتقاعدين) باتت جزء من الأزمة حتى عند أي تشكيل وزاري جديد فهم من يشيرون لمواليهم بفبركة القوائم وكشف الملفات وقيادة الحملات، كل ذلك طمعاً في العودة مرة أخرى للسلطة التي لا يشبعون منها، وفي كثير من الأحيان تنجح خطط بعضهم فيعودون مرة أخرى، وستتواصل الملهاة.
التعليقات مغلقة.