كان يا ماكان في قديم الزمان وسالف العصر والآوان.. دكان.. يقال له (دكان التعاون).. وفي رواية أخرى الجمعية التعاونية.. كانت الجمعيات التعاونية مؤسسات اقتصادية صغيرة.. تتكون بأسهم المشاركين.. ربما كانوا أعضاء نقابة مهنية.. أو كانوا أبناء منطقة معينة.. أو حتى أصدقاء وجيران..
كان مشوار الجمعية شيء أساسي أول كل شهر.. تنتحي الوالدة رحمها ركناً قصيا من المنزل وتكتب المواد التمونية.. كذا رطل سكر.. كم رطل شاي.. عدد كذا كروسة كبريت.. زيت.. .الخ.. الخ.. يأخذ أبي الورقة.. ويذهب بها الى جمعية الإخلاص التعاونية.. ويأتي محملاً بالأشياء كلها.. فقد سدد قيمة ما أشتراه الشهر الماضي.. ويكتب ما أخذه هذا الشهر ليتم سداده الشهر الذي يليه. كانت الأمور تسير بسلاسة.. والزمن كان مبتسم والليالي جميلة حالمة.
تربينا نحن أبناء عمال السكة حديد.. دون أن نعاني شظف عيش.. ولا تكالب ديون.. وكانت كل عطبرة على ذات الطريقة إلا من أبى.. كلهم مشترك في جمعية تعاونية.. تقيم الأود وتستر الحال.. وإن أتى شيء فجأتن سيجد التكافل.. وشعار (نظرة الى ميسرة) مرفوعاً.. وفي نهاية العام يتم جرد الحساب.. وتقسيم الأرباح على الأعضاء حسب نسبة الأسهم.. نسيت أن أقول أن الجمعيات التعاونية يديرها متطوعون.. من أهل الثقة.. ولم يحدث حتى مغادرتنا مدينة عطبرة أن سمعنا باتهام أحدهم في ذمته أو أخلاقه.. وظلت الجمعيات تؤدي دورها بكفاءة عالية.. يحسدها عليها الكثيرون.
حكينا القصة دي لييه؟ لنطرح التساؤل التالي: لماذا لا يفتح المجال للتعاونيات لتسد الفجوة الاقتصادية وتلك الهوة المتسعة بين الأثرياء الذي فاق ثراءهم كل حد.. وبين الفقراء الذين انحدروا تحت خط الفقر بدرجات سحيقة؟؟ بل السؤال الأهم.. لماذا ألغي دور التعاون نهائياً عند إعلان تحرير الأسواق؟ الشيء الذي نعرفه أن كل الدول التي ترفع ذلك الشعار لا زالت التعاونيات تؤدي عملها.. ودونكم الانجليز أصحاب أقدم تعاونية في العالم.. لا تزال تعمل حتى الآن..
السادة الذين أعلنوا تحرير السوق يعلمون أن هناك شريحة مهمة لن تستطيع مجاراتهم في الشراء بهذه الاسعار المرتفعة.. فتم اختراع نقاط البيع المخفض.. التي تظهر لمدة بسيطة ثم تختفي.. دون أن نعرف إن كانت هناك طريقة لبيع المواد التمونية مخفضة.. لماذا اذن لا تعمم الفكرة وتصير هذه النقاط جمعيات تعاونيةبصورة دائمة؟؟ ذلك أن نقاط البيع المخفض تعمل كمسكن للألم لمدة بسيطة وبعد ذلك يتم التخلص منها.. والعودة الى مربع الغلاء الأول وكأنك يا أبو زيد ما غزيت!!
افتحوا المجال لتأسيس تعاونيات دائمة توفر السلع الأساسية للموظفين والعمال وذوي الدخل(المهدود).. وتعمل بنظام البيع الآجل أو أي طريقة دفع ميسرة يتفق عليها الأعضاء
سادتي الكرام: نحن في حاجة لمن يفكر للشرائح الضعيفة.. لأسراب الضحايا الكادحون القادمون مع الظلام من المصانع والحقول.. ملأوا الطريق.. وعيونهم مجروحة الأغوار ذابلة البريق .. يتهامسون.. .ويغمغمون نحن الشعوب الكادحون.
_________
الجريدة
التعليقات مغلقة.