باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

مزمل أبو القاسم: المكاتفة بالمواجهة

1٬845
للعطر افتضاح

‏المكاتفة بالمواجهة
* لنبدأ بما خلص إليه اللقاء الرباعي الذي جمع وزيري خارجية السودان ومصر، البروف إبراهيم غندور ونظيره سامح شكري، بمعيّة رئيسي جهازي المخابرات في البلدين، الفريق أول مهندس محمد عطا المولى، واللواء عباس كامل، لنتحدث عن عبارة معبرة ختمت المذكرة المشتركة ووصفت العلاقة بين السودان ومصر بأنها (مقدسة ولا تحتمل العبث بها).
* من حسن طالعي أنني رافقت الرئيس البشير ضمن الوفد الصحافي الذي شهد وقائع آخر زيارتين للبشير إلى مصر، وكنت شاهداٌ على نهج المكاشفة الذي اتبعه الرئيس في الزيارتين، بدءاً من إجابته القوية على سؤالٍ مفاجئ طرحه عليه الرئيس السيسي بلغةٍ تزخر باللوم (ولن أقول اللؤم)، على قرارٍ صارم وصادم اتخذته الخرطوم قبل موعد الزيارة بأيامٍ قليلة، وقضى بوقف استيراد الفواكه والخضروات وبعض المنتجات الغذائية المصرية للسودان.
* طلب البشير من السيسي أن يلوم الإعلام المصري على قرارٍ استند إلى تقارير مصورة أوردها التلفزيون المصري الرسمي، وأثبت بها وقائع تشير إلى ري تلك المنتجات بمياه الصرف الصحي، وقال له إن تلك التقارير صنعت رأياً عاماً يستحيل تجاهله في السودان ضد تلك المنتجات وأجبرت الحكومة اتخاذ قرار الحظر مدعوماً بمبدأ (شاهد من أهلها).
* نهج المصارحة بالمكاتفة استمر على كل المستويات في تعامل السودان الرسمي مع مصر في الفترة التي تلت الزيارتين، بدليل أن غندور طار إلى القاهرة لمقابلة الرئيس السيسي وإطلاعه على تقرير مفصل، حوى ملفاً مدعوماً بأدلة لا يرقى إليها الشك، تثبت تورط جهاز المخابرات المصري في دعم القوة المتمردة التي دخلت السودان من ليبيا بالتزامن مع قوة مماثلة عبرت حدود السودان مع دولة الجنوب في اليوم نفسه، ولقيتا المصير نفسه.
* حوى الملف معلومات يستحيل إنكارها، وأدلة لا تقبل النفي حول الدعم اللوجستي الذي قدمته مصر للقوة المذكورة، بما فيها صوراً جوية عسكرية التقطتها شركة فرنسية بتمويل مصري، لمسار القوة المذكورة، وصوراً أخرى للآليات المدرعة المصرية التي تم ضبطها مع المتمردين، بل إن غندور مضى أبعد من ذلك وحمل معه نماذج من الذخائر المستخدمة في آليات حملت عبارة (صنع في مصر)، وكانت الأدلة تستعصي على الإنكار، ومع ذلك قبلت الخرطوم نفي السيسي لها، سعياً لفتح صفحة جديدة، حملت أسوأ من سابقاتها، بدرجةٍ دفعت السودان إلى استدعاء سفيره في مصر مؤخراً.
* يجب على الحكومة المصرية أن تفهم جيداً أن قدرة السودان على احتمال الأذى المصري تقلصت إلى الحد الأدنى، وإن إطلاق الكلمات المنمقة والعبارات الفضفاضة المزخرفة بالمحسنات البديعية عن قوة العلاقة وقداستها وعمقها ما عاد يجزي عن الواقع المؤلم شيئاً، لأنه صار أعقد من أن يعالج بالكلمات وحدها، وأن المطلوب في الفترة المقبلة يتجاوز مدى التصريحات إلى معالجات فعلية جادة لواقعٍ مؤلم بات يهدد أساس تلك العلاقة بالنسف التام.
* السودان الرسمي والشعبي لا يحمل للمحروسة إلا المحبة، وليست له أدنى رغبة في إيذائها أو دسّ أنفه في شئونها الداخلية، ولا يتحرك في كل الملفات المشتركة إلا من إحداثيات محددة، تستهدف تحقيق مصالحه العليا، وهو حريص على عدم الإضرار بمصر حتى في ملف المياه الذي يثير مخاوف الأشقاء المصريين، وتلك مخاوف مفهومة ومقدرة لدى السودان، لأنها مسألة حياة أو موت، لكن مصر مطالبة بأن تتفهم وتقدر حرص السودان على مراعاة مصالحه الخاصة أولاً، حال تضاربها مع أي مصالح مصرية تتعلق بالملف المذكور.
* نقدر للقيادة المصرية حرصها على معالجة ما اشتجر بين البلدين مؤخراً، ونحفظ للرئيس السيسي إقدامه على زيارة الرئيس البشير في مقر إقامته بالسفارة السودانية في أديس على هامش القمة الإفريقية التي انعقدت في إثيوبيا مؤخراً، ونقدر أن دعوة مصر لغندور وعطا حوت مؤشر جدية يستهدف معالجة التوتر الذي بلغ مداه الأقصى باستدعاء السودان للسفير عبد المحمود، بعد أن بلغ سيل الخرطوم الزبى مما حدث في إريتريا مؤخراً، ونتوقع من الطرف المصري أن يقرن الأقوال بالأفعال، ويبدأ بكف أيادي الأذى عن السودان، بدءاً بلجم إعلام التفاهة وبرامج (التوك شو) المنحطة التي تخصص بعض صعاليكها في الإساءة للسودان وشعبه وتاريخه إلى درجة إنكار وجوده، وادعاء أنه كان تابعاً لمصر بالكامل.
* آن أوان مواجهة الوقائع بالحقائق، بعد أن وصلت العلاقة بين البلدين حدود القطيعة، وبلغت حد العلاج بالكي، وتحولت الكرة إلى الملعب المصري ليثبت حسن نواياه فعلاً لا قولاً، وتنفيذاً لا تصريحاً، كي تعود المياه إلى مجاريها، ويسيل النيل حباً وكرامة بين بلدين شقيقين، وصلت العلاقة بينهما مؤخراً إلى تدهورٍ غير مسبوق، بسبب إصرار مصر الرسمية على التعامل مع السودان (كملف أمني)، يستبطن العداوة، ويستغرس سوء الظن قبل حسنه، ولو من العدم.

د. مزمل أبو القاسم
(صحيفة اليوم التالي)

التعليقات مغلقة.

error: