تحليل إخباري بقلم عاصم البلال الطيب
{ أخبار المال والاقتصاد والتجارة وقراءة ما بين سطورها تحليلا وتقويما وآثارها المحتومة على الخارطة السودانية برمتها هي المسيطرة على الساحة بطبيعة الأزمة الخانقة والاحتجاجات الباردة والعاصفة على الأوضاع المعيشية الضرورية لبقاء الإنسان على ظهر الحياة عائلا لشؤونه لا عالة حتى على نفسه كما هو حالنا الراهن، والقاسم المشترك بين شتى الاحتجاجات حتى من أنصار الحزب الأكبر الحاكم على صنوف الفساد المتسرب منها مزكماً الأنوف والمخبوء عبثا من وراء حماية ووقاية عابثا بمعاش الناس، فالمطلوب بإلحاح توجيه ضربة قوية من الرئاسة قاضية على رموز الفساد الذي تؤكده وتدلل عليه وضعية شبه الانهيار المختلف عليها بين المواليين والمعارضين، الموالون يردون السبب بحياء لفشل فى السياسات الاقتصادية يبررونه بجملة معطيات أخيرها ما أشرنا إليه نحن فى هذه الصحيفة والمساحة مرارا قبيل رفع العقوبات بمنقصاتها ومنغصاتها ووصفناه بصدمة رفع العقوبات الأمريكية على غرار ما وقع بعد انفصال الجنوب؛ صدمة عنيفة لم يتحسب لها اقتصاديو النظام وعرابو سياسته المالية والتجارية، وأبرز ملمح لصدمة رفع العقوبات دخول شركات ومؤسسات الحكومة لسوق النقد الأجنبي الرسمي والموازى مما أفضى لهذه الحالة التى تتلوها تغيرات مفصلية فى حركة وأنشطة الاقتصاد والتجارة والمال ببروز قوى جديدة وكذلك أساطين جدد فى دنيا المال والاقتصاد، لازال هناك متسع لتكون السلطنة فى دنيا المال شعبوية وليس لصالح انتهازية جديدة لديها أرضية خصبة، إذ لابد من ترتيب ما لهذه الفوضى الاقتصادية الضاربة بأطنابها فى كل مفاصل عظم ومُزَعِ لحمِ جسد ووجه الدولة الآيلة لتغيرات جذرية منتجة للأزمة السودانية أشد ضراوة وسوداوية مما هي عليه بادية فى الوجوه والنفوس المكسوة جزعا وهلعا، ولا شيء يعيد الثقة إلا ضربة قاصمة الظهر للفساد والمفسدين ومن ثم للنمط الاستهلاكي الشيطاني والتفاخري البذخي المرسوم بمخططات استخبارية لإضعاف الروح الإنتاجية لدينا ونظرائنا من أصحاب الحظوات الموردية السمراء سبب تكالب الدنيا والعالمين طمعا فى نيل الثروات الظاهرة والباطنة.
عبدة الاصنام
{ وكما أسلفنا أن الإجراءات البوليسية الاقتصادية لا تنفع لكبح جماح ارتفاع أسعار صرف العملات النظيرة للسودانية إزاء التدني المخزي لقيمتها وبالتالي انسحاب الضر على إنسانها بؤسا وشقاء، فإن توجيه ضربات متمناة لدهاقنة الفساد وحدها لا تكفى لإصلاح الحال المنبئ حال التباطؤ فى معالجته بشرٍ مستطير، المطلوب نظرية اقتصادية سودانية غير تقليدية قوامتها وشحمتها تنبع من كل خبرات ألوان طيفنا المجتمعي، وهو نبع مستحيل فى ظل الإنفراد بالقرار حكوميا وفقا لبرنامج ليس مقدسا ولا صنما يعبد، وحدة السودان التى تمنيناها صنما بغير معانيه الأولية، ذهبت أدراج الرياح وليس من بعدها ما يستحق التعامل معه كعبادة صنمية، لن يتم التوصل للوصفة السودانية الاقتصادية السحرية إلا بخطوة سياسية شجاعة تستهدف مصلحة البلد لا الفرد، الفرد المحتاج لصياغة مفاهيمية بأنه يعيش ضمن منظومة بعيدا عن التبعية إلا فى حال عدم القدرة على إعالة نفسه لأسباب معلومة، مع محاربة الاحتكار البغيض مهلك الزرع ومجفف الضرع، وما من بأس فى حال اتخاذ الخطوة الجريئة الاقتصادية الملاذ الآمن للحاكم والمعارض والمحكوم، الاستئناس بالتجارب الاقتصادية التى بفضل نجاعتها أخرجت دولا بعيد الحرب العالمية الثانية من وهدة الانهيار الاقتصادي الذي نقف الآن على شفا جرفه الهاري، التجربة الألمانية التاريخية المفضية للاقتصاد الاجتماعي ليست مطلوبة بحذافيرها، وان كانت مطلوبة فى حالتنا السودانية فتطبيقها الحرفي صعب لاختلاف المعطيات، والنظر مطلوب إليها فى مواءمتها بين الاقتصاد الحر والتركيزي مع تدخل الدولة لضبط الإيقاع حال الخروج من السياق، تماما كما الحال فى حال اللجوء لاقتصاد تعويم الجنيه، نحتاج لصيغة اقتصادية مجتمعية للخروج من النفق، وهذه الصيغة كانت الأنسب بدلا لسياسة التحرير الاقتصادي التى تم تطبيقها حمرة عين دون أدنى التفاتة لمن حذر من صدماتها وتداعياتها الخطيرة حتى خَممنا وصررنا كلنا بسببها الرماد الراهن، ولم تعد حمرة العين سياسة ذات جدوى ومنفعة، فدعوها ابتداء توطئة لاتخاذ تلك القفزة الكبرى من قاع النفق ببصيص أمل وضوء خافت لا زال ينبعث.
بين الحقيقة والزيف
{ والاهتمام بالمال والاقتصاد يتسع بين الناس فى مجالسهم وتحليلاتهم تنحو مناح متفرقة وشتى عطفا على أخبار قطعية وأخرى ظنية وثالثة مؤلفة بدقة وعناية فائقة كالتي نسبت مؤخرا لاجتماع لرئاسة الجمهورية شبيهة بالتي نسبت يوما للحكومة القطرية التى لم يجد نفيها فتيلا وكانت واحدة من أسباب أزمة خليجية عميقة، الرئاسة بعد إحساس برواج وتحليلات للخبر المضروب سارعت ونفت وحسنا فعلت وليتها توالى خاصة فى ما يتصل بالأزمة الاقتصادية الجامحة التى بلغت أخبارها شأوا وعددا يفتح الباب للمضاربات بها، المجالس تتحدث بقطعية عن إدخال دولة عملات مزيفة لضرب ما تبقى من روح فى عملتنا التى تقاوم عناصر الفناء وتلتمس أسباب البقاء الذي لن يتحقق فى خضم الحالة السودانية الراهنة وسط تجاذبات وتقاطعات واستقطابات سياسية واقتصادية حادة فيها المتجرد وبها الهوى والغرض دونما تفكير عميق فى الدوافع والأسباب ومن ثم توقع الحصائد والنتائج، لا يعقل مُضى الأمور بسياسة الحب والكراهية الشخصية المحضة فى شؤون كلية تحتاج لسياسة واقتصاد مجتمعيين جديدين وباعتراف خبراء اقتصاد استطلعتهم يوما من ذات اليسار واليمين، أن طائفة من نظريات الاقتصاد محض أصنام وقائمة على أسس انتهازية خدمة لمصالح القوى العالمية التى برزت بعيد وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها عمدت لتصميم واقع اقتصادي يعينها على تصدير وامتصاص أزماتها، ولهذه القوى بيت طاعة عقوبات الخروج عنه رادعة ومؤلمة كالتي تسرى وتهرى فينا منذ نحو عقدين ولا يمكن بحال تفاديها وتجاوزها فى سعينا لحل حتى يبدل رب العزة عالم اليوم، بعالم تسوده قيم ومعاني العدل والمساواة، وإلى أن تتحقق هذه الأماني العِذاب علينا أن نعى حاكمين ومعارضين ومحكومين أن الاقتصاد هش ويحتاج للتعامل معه وحمله برفق لكونه قابلا للكسر، والكسر في سوق الله أكبر الأدب الاقتصادي الطارئ الذي أودع السجون من أودع وغيره من سلوكيات التفاخر الاستهلاكي أوردتنا للوضعية المحيرة التالية التى تتطلب من حكومة الواقع خطوة جريئة وانقلاب شامل يَجُبُ القديم قبل أن يلقى بنا فى غيابتِ الجُبّ.

التعليقات مغلقة.