باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

د. ياسر محجوب الحسين :هل انتهت فوبيا سد النهضة؟

أمواج ناعمة

800

ظل استخدام تعبير “مسرح السياسة” باعتباره صيغة بلاغية تختزل وتشبّه ما يدور في دهاليز السياسة وكأنه عمل مسرحي، فالأعمال المسرحية تحاول محاكاة الواقع باستخدام اللا معقول من قول وفعل لجذب جمهور المتفرجين.. لكن الأسبوع الماضي كانت أديس أبابا مسرحاً سياسياً، واقعاً لا تشبيهاً.. رؤساء متخاصمون متشاكسون يخرجون من غرفة الاجتماعات متماسكي الأيدي يعتصرون الابتسامات، بينما فلاشات عدسات المصورين تتساقط بكثافة وكأنها أضواء حفل ساهر مبهرة، حتى الصحفيون تركوا أسئلتهم جانبا وطفقوا يصفقون دون وعي أو إدراك لهول ما رأوا.. زعماء أثيوبيا ومصر والسودان أبت أنفسهم إلا تحويل “مسرح السياسة” لواقع يمشي بين الناس.
انتهت القمة الثلاثية على هامش القمة الأفريقية باديس أبابا، دون بيان أو مؤتمر صحفي وعقب الاجتماع المغلق للرؤساء الثلاثة الذي دام لأكثر من ساعتين، وفي خضم الانفعال المسرحي سُئل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عما إذا كانت أزمة سد النهضة قد انتهت؟.. فأجاب بدون تردد: “لم تكن هناك أزمة من الأساس”!.. لكن السيسي أردف معلنا تشكيل لجنة ثلاثية لمتابعة ما تم اتفاق الرؤساء عليه، وهذا مما يؤكد أن هناك أزمة ولذا تم تكليف هذه اللجنة بالتعاطي معها.
الشارع المصري الذي ظل واقعا تحت ضغط إعلامي بهدف التأكيد على أزمة سد النهضة لم يكن مكترسا بنفي السيسي، وظلت الأسئلة في رأسه دوامات ورياحا ومطرا.. هل تخلى الأثيوبيون عن محاولاتهم قتل الشعب المصري عطشا كما كان يعزف الإعلام المصري؟.. ثم ماذا تم بشأن مطلب القاهرة إشراك البنك الدولى فى الدراسات الفنية للسد؟.. وهل كانت مخاوف الحكومة المصرية وإعلامها مبالغًا فيها أم أنها كانت نوعاً من الفوبيا؟. واعترف السفير المصري لدى أثيوبيا، أن تعاطي الإعلام الذي لم يحدده، تجاه السد لم يكن إيجابياً؛ بسبب نقص المعلومات وعدم الإلمام الكافي حول مواقف الدول.
وتأكيدا على الموقف المصري المرتبك، قال وزير الخارجية المصري ردا على مقترح مصر بإشراك البنك الدولي، إنه لا يوجد طرف وسيط في الدراسات الفنية الخاصة بسد النهضة حاليا.. وبمتابعة تصرفات الحكومة تجاه السد الاثيوبي منذ بدايته قبل أن ينجز اليوم 70% منه، يمكن ملاحظة أن الارتباك سيطر على السياسة المعلنة تجاه هذه المشروع. فبعد الرفض المطلق وعدم الاعتراف به بل والتهديد بضربه، وافقت القاهرة على المشاركة في قمة ثلاثية في عام 2015 ووقعت اتفاق مبادئ مما يعني اعترافا بحقيقة قيام السد باعتباره أمرا واقعا والبدء في مفاوضات فنية لمناقشة التفاصيل الفنية. بيد أن القاهرة عادت وأعلنت في نوفمبر 2017 تجميد مفاوضات السد، لرفضها تعديلات اقترحتها أديس أبابا والخرطوم على دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي حول أعمال ملء السد وتشغيله وهو ما فجّر الأزمة الأخيرة بين الدول الثلاث.
اليوم يبدو المشهد في مجمله لصالح أثيوبيا والسودان إذ إن الأولى تمضي في تنفيذ خططها بشأن السد وتمكنت من تخطي العقبات المصرية الواحدة تلو الأخرى.. السودان يبدو في وضع مريح يمكنه من جني ثمار السد الأثيوبي والاحتفاظ بحد أدنى من مستوى علاقاته مع مصر، أما القاهرة فيبدو أنها تراجعت كثيرا عن موقفها المعلن من أزمة السد.. وبدأت القاهرة تراجعها بمحاولة عزل الخرطوم وعقد تفاهم ثنائي مع أديس أبابا التي رفضت العرض المصري وعمد الإعلام الأثيوبي إلى فضح الطلب المصري الذي قصد أن يتم من وراء ظهر الخرطوم.. ولم يكن أمام القاهرة بد من الالتقاء مع الطرفين السوداني والأثيوبي حيث أنجز الاتفاق الأخير وتبقى قضية السد في الإطار الفني الاقتصادي.

التعليقات مغلقة.

error: