باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

مصطفى عبد العزيز البطل :التوازن السكاني .. بلا حساسيات!

غرباً باتجاه الشرق

914

(1)
المهندس والكاتب والأديب والفنان الاستاذ عبد الله الشقليني الشهير باسم (بيكاسو) رجل متميز في مشاركاته المتنوعة حول قضايا الشأن العام وهموم الثقافة والابداع التي يدفع بها، بين الفينة والاخرى، الى منابر النشر الالكتروني. وصاحبنا هذا رجل رقيق وعلى درجة من الحساسية، فلم أره قط يغوص او حتى يقترب، مجرد اقتراب، من القضايا المتفجرة ذات الطبائع الخلافية. ولهذا فقد دهشت عندما قرأت له الاسبوع الماضي مقالاً بعنوان (الملايين قدموا السودان واستوطنوا بلا ضابط)!

الأمر جلل إذن، فحتى الفنانون ذوي الاحساس المرهف ضاق صدرهم بمظاهر الاضطراب الديموغرافي في السودان، فخرجوا يجاهرون بما يستخفي به الاخرون، فلا يجري على أفواههم إلا همساً. وفي عرف هؤلاء ان الحديث عن أمر الاختلال السكاني في البلاد من المحظورات التي يحسن النأى عنها والابتعاد عن شبهاتها وشرورها. ومن الذي يملك الجرأة ليقول: “البغلة في الابريق”؟ ولكن ها هو الفنان بيكاسو، دوناً عن غيره من السوادنة، يخرق عين الشيطان فيقولها بكل هدوء وكأنه يغني “رحماك يا ملاك”. يقول: (إن التغيير الديمغرافي الذي يتم الآن في السودان، بوعي أو بدونه، قنبلة هيدروجينية تنتظر ميعادها). يا ساتر!

ثم يستفيض فيحدثنا عن كيفية ترصد دول العالم الاخرى ومراقبتها للمهاجرين غير الشرعيين فلا يدخل هؤلاء ويتملكون ويتجنسون بلا ضابط ولا رابط. والذي يعرف السودان يعرف بالضرورة من اين توالي الغزو الخارجي الذي زلزلت به معايير التوازن السكاني في السودان.

(2)
قبل سنوات وفي ندوة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الاهرام المصرية تحدث قيادي سياسي سوداني، للمرة الاولى (ولعلها الاخيرة)، عن واقع الاختلال الديموغرافي، واقترح توطين عدد معين من الفلاحين المصريين داخل الاراضي السودانية بغرض استصلاح وزراعة آلاف الافندنة الصالحة للزراعة في شمال السودان. الذي اذكره ان خبر تلك الندوة وما جاء في مداولاتها تسرب ووجد طريقه الى النشر، فقامت الدنيا ولم تقعد لا سيما في عوالم الاسافير حيث حشود مناضلي الكيبورد الذين شتموا ذلك المسئول شتيمة الأراذل، ووصموه بالعنصرية، ومسحوا به الارض والسماء.

قفز الى ذهني امر تلك الندوة وحديث ذلك المسئول وانا اطالع ورقة بحثية جاء فيها ان عدد سكان ولايتي نهر النيل والشمالية من الجيلي وحتى وادي حلفا يقل عن عدد سكان محلية امبدة الذي هو في حقيقته حي واحد من احياء امدرمان العريقة!

(3)
في الولايات المتحدة الامريكية حيث اعيش حاليا تجري مناقشة قضية التوازن الديموغرافي في البلاد بشكل يومي. وهم لا يسمونها (ديموغرافي) كما افعل انا على استحياء. بل يسمونها باسمها المباشر (التوازن العرقي). وهناك احصاءات دقيقة يتم تبادلها بانتظام في دوائر المؤسسات والقنوات المختصة والمهتمة بهذه القضية. نسب الاعراق المهاجرة من الاقليات مرصودة بدقة متناهية وتشكل في مجملها 34 في المائة من عدد سكان الولايات المتحدة. ويعلم القاصي والداني ان العنصرالاسباني (المكسيك ودول امريكا اللاتينية)، والعنصر الآسيوي هما العنصرين الاسرع نمواً في الولايات المتحدة. وكل ذلك يتم نشره ومناقشته علنا بغير حساسية او حرج.

وفي مسعى مدروس لضمان التوازن العرقي والديمغرافي في الولايات المتحدة، والحيلولة دون تمكن عرق معين وهيمنته على بقية الاعراق، تتخذ الدولة سياسات معلومة، من بينها (برنامج هجرة التنوع) الذي صدر بموجب قانون الهجرة الامريكي لعام 1990، الذي يعرف عندنا في السودان باسم برنامج (اللوتري)، حيث يتم توفير 55 الف تأشيرة سنوياً لافراد من دول معينة في العالم بهدف تنويع السكان المهاجرين. ولهذا فإن برنامج الهجرة المتنوعة (اللوتري) يتجه اساسا الى تنويع الاثنيات وتوزيعها بصورة متكافئة، ومن من منطلق هذا السبب بالذات فإن هذا البرنامج يقتصر على دول واثنيات بعينها حول العالم، فلا يشمل الصين مثلا ولا دول امريكا اللاتينية ولا دول غرب اوربا.

(4)
ماذا نريد ان نقول؟ ليس كثيرا. وانما هي كلمة واحدة مختصرة وقصيرة: ليس عيباً ان يناقش السودانيون قضية التوازن العرقي في بلادهم. وليس ثمة بأس في ان يستخدموا في مورد المناقشة والتحليل كلمات مثل (اختلال) و(اضطراب)، فيسمون الأشياء بأسمائها.

ليس هناك ما يدعو للهمس والحديث الخافت المستتر. لنقرر بيقين وحزم وثقة ان هذا الوطن يسعنا جميعا. ثم لنفتح الابواب والنوافذ بعد ذلك فنناقش قضايانا جهراً وعلنا، في الهواء الطلق، كما تفعل شعوب العالم المتحضرة.

التعليقات مغلقة.

error: