باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

الصادق الرزيقي : الصحافة ليست جريمة

أما قبل

806

منذ يومي الثلاثاء و الاربعاء من الاسبوع الماضي، وعلى خلفية التظاهرات الاخيرة التي دعت لها احزاب المعارضة، يقبع عدد من زملاء المهنة في السجون والمعتقلات، بعد أن اقتادتهم السلطات الأمنية من مواقع التظاهرات في شوارع وسط الخرطوم و أم درمان، ولا يزالون رهن الاحتجاز دون ان توجه اليهم اية تهمة، أو قدموا الي المحكمة، وهو موقف مناهض للحرية الصحفية والإلتزامات الكاملة بما خرج به الحوار الوطني، والتقيد بالعهود والمواثيق المعمول بها، والمصادق عليها دولياً بشأن حرية الصحفي وحقه في الحصول علي المعلومات وتغطية الاحداث مهما كانت.
الصحفي باحث عن الحقيقة والمعلومة حتي لو كان ناشطاً سياسياً، ولا يمكن فصل الصحفي عن مواقفه السياسية، شريطة أن لا يخلط ما بين رأيه السياسي وأداءه المهني الذي يقتضي النزاهة والدقة وتحري الصدق وعدم التحيز والمولاة.
مهنة الصحافة محفوفة بالمخاطر ، أقلها ما يتعرض له الصحفي من مضايقات وعسف واعتقالات وعنف، ففي العام 2017 بلغ عدد الصحافيين الذين قتلوا حول العالم في أحداث متفرقة أثناء تغطياتها وهم يقومون بواجباتهم: (93) صحفيا ، بينما يرزح في السجون والمعتقلات في العديد من بلدان العالم، مئات الصحفيون، كما يفلت من العقاب في غالب الأحوال مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين من عصابات ومنظمات ارهابية واجرامية، ومن يتصدي لهذه المهنة ويخوض غمارها يجب أن يؤمن أنه في سبيل الحصول علي المعلومات ونقلها للرأي العام وتغذية المجتمعات بالأخبار والبيانات والتقارير والقصص الخبرية والتعليقات والاراء والتحليل ونقل الصور والصور المتحركة، لابد أن يتوقع كل انواع القهر والعنف ويواجه الصعاب وأسنة رماحها.
يدفع الصحفي ثمن غال وربما روحه وهو ينشط ويجتهد ويكون في لجة اللهب والحريق ويقف في جفن الردى.
الزملاء الموقوفون، وهم ثلة من الصحفيين والصحفيات الذين نعلن تضامننا ووقوفنا الكامل معهم من اجل حريتهم وتأمين إطلاق سراحهم، لن يؤخذوا بنواياهم، يجب ان يعاملوا كصحفيين ذهبوا لتغطية حدث، مهما كان موقف السلطة السياسية من هذا الحدث، فهم صحافيون وهذا واجبهم .. فإن لم يذهبوا لتغطية التظاهرات ومعرفة ما وراءها ونقل ما يدور فيها ومتابعتها، يكونوا قد خانوا مهنتهم وتخلفوا عن استحقاقها، فليس بالضرورة أن يكون الصحفي مؤيداً للتظاهرة أو معارضاً لها، المهم ان يكون ملماً بها وناقلاً لها كخبر ومتابعاً ومراقباً كمراقب.
إذا كانت الدساتير والقوانين لا تجرم الصحفي أثناء تواجده داخل التظاهرات غير القانونية أو حتي الحروب وأعمال الشغب، فليس هناك من جرم يمكن ان يوجه الي زملائنا في هذه التغطيات، لأنه لم يصدر عنهم حتى اللحظة في تغطياتهم ما يمس أمن البلاد أو يسيء إليها، وكل ما عرفناه انهم كانوا متواجدين هناك، ويمكن ان يكون بعضهم مشاركاً وجزءاً من التظاهرة، وهذا قد يكون موقفه الفكري والسياسي كمواطن، لكن هل تحول هذا الموقف الى مادة صحفية أو تقريراً اعلامياً فيه مساس بالصالح العام للمجتمع أو تهديد للسلامة العامة و الأمن القومي؟
مطالبتنا بإطلاق سراح زملائنا من الصحفيين، تنبع من قناعتنا بأن مركب الحرية واحد ليس فيه طبقات أو درجات والجميع متساوون فيه.
كلنا ابناء مهنة واحدة، نعيش طقسها وظروفها ونعرف كف هي مناخاتها، ونتحمل معاً كل تبعاتها، فلا خير في صحفي لم يعلن تضامنه مع زملائه أو يسعي من اجل حمايتهم وحريتهم، وكثيراً ما نقول حتي بحت منا الأصوات : (فليكن القضاء والتحاكم اليه هو الفيصل في اية خلافات مع السلطة السياسية ومؤسساتها واجهزتها ، وإن كانت هناك جريمة في ممارسة مهنة الصحافة فلتكن سوح المحاكم وعدالة القضاء هي الحكم) ..
ومما يحسب لصالح الصحفي السوداني، أنه من بين كل الصحفيين في المنطقة هو الاكثر إلتزاماً بمهنية عمله وتقيداً بمواثيق الشرف الصحفي ومدونات السلوك المهني ، فلا يمكن ان نتهم جزافاً وبتعميم لا يليق كل صحفي ونطعن في وطنيته وحبه لبلده وسعيه من أجل سعادتها ، فالمواقف السياسية هي تقديرات تتفاوت مقاديرها ومعاييرها ، ولنحكم علي الناس ومنهم الصحفيين بأعمالهم ..
أطلقوا زملاءنا اليوم قبل الغد.
هذه مناشدة للحكومة فهم شركاء همّ وتراب ومصير ، لن تخسر السلطات شيئاً ان اطلقتهم، ولن تربح ان بقوا في السجن سنين عددا ً، المهم ان صحفي وراء القضبان بدون جريرة ارتكبها ، تجعل صورة السودان تتشوه ويتم التشويش عليها ودمغنا بالتراجع وانتهاك حقوق وحرية العمل الصحفي بينما نحن في حقيقة الامر الافضل في محيطنا.
لماذا نجعل السهام تتكاثر علي ظهورنا وصدورنا بلا طائل؟!

التعليقات مغلقة.

error: