باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

عاصم البلال:قمة اسطنبول .. اردوغان بين السر والجهر

611

{ رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، يتفنن فى وصفه النقاد والمحللون وفى شخصيته الخليط والمزيج بين ابن الأسرة التركية النموذج متوسطة الحال المقيمة في الحي الفقير والمجتمع الاهلي العريض والبلد الكبير الغنى والثرى بكل عناصر وأسباب الحياة ، فى وسط هذا الخضم ترعرع ونشأ اردوغان متخذا من كل عينة صفة، اتخاذ عجن وشكل نواة الشخصية القيادية فى داخله واستفاد أيما استفادة من سمتين شائعتين وسائدتين فى مثل محيطه ،كرة القدم كلعبة شعبية جامعة بين الفقراء والاغنياء والتعليم الدينى، فتعلم من الرياضة فضلا عن سلامة الجسم والعقل مهارات الصد والدفاع والهجوم والمراوغة والمناورة والإرتكاز وقوة اختراق دفاعات المنافسين لإصابة الهدف، ومن التعليم الدينى ومعاهده الإسطنبولية المنتشرة ومن مدينته الساحرة بطبيعتها الخلابة، أثرى أردوغان قاموسه اللغوى الشخصى بالمفردات التى مكنته من إجادة الخطابة بدرامية جاذبة ممزوجة بحكم درر ولآلى يتداولها الناس فى مختلف بلاد العالمين بعد ترجمتها من رجال حول أردوغان الذى تعلم بممارسته لكرة القدم فن جذب الجماهير التى ساندته لاعبا بيد أنه إلتمس فى نفسه قدرات للقيادة أوسع وأرحب من ميادين الكرة وجماهيريتها فركلها مدفوعا كذلك بالنظرة الدونية لها فى مجتمعه الصغير الذى خرج منه كبيرا متدرجا فى العمل العام حتى بلغ عمودية إسطنبول نقلته الهائلة فى العمل السياسى والحزبى مترقيا بحزبه، حزب العدالة والتنمية وبانتخابات نزيهة لرئاسة الحكومة التركية فى العام 2003 وإلى يومها محققا نجاحات متوالية صعدت بتركيا لمصاف تفصيلها سِفر عظيم لايتسعه المقال. استطاع أردوغان غير كسب الأغلبية التركية الانتخابية، اجتذاب جماهيرية خارج حدود بلاده قوامها أمم مسلمة وغيرها لمناصرته القضايا والحقوق الانسانية الدولية.
اعجاب سوداني
{ ويكن سودانيون إعحابا للزعيم أردوغان بالخلفية التى تطرقنا لها خطفا على غرار شعوب أخرى تلتف من بُعد حول أردوغان كزعيم روحى بارع فى مخاطبة مختلف القضايا واتخاذ المواقف بقوة دفع نجاحه الباهر فى قيادة تركيا اقتصاديا وسياسيا وانسانيا حتى أصبح مؤثرا في الأحداث العالمية ولاعبا رئيسا وأساسيا فى ميادينها يحتسب له ويحظي بكل التقدير والاحترام، وبمهاراته الفطرية و المكتسبة، يمسك أردوغان بكرة التوازنات الداخلية إمساكا تجاوز به عديد المواقف والأحداث العاصفة التى أي منها دعك من أكبرها الإنقلاب المسلح كفيل كان بالإطاحة به لولا أنه أردوغان الذى ينجح كذلك فى التوازن دوليا وبممارسة سياسية حرفية ومهنية فى مخاطبة القضايا الداخلية والخارجية مقيما بينهما برزخا يتلامسان ولايبغيان ، يعمل على حماية مصالح تركيا الداخلية باتخاذ مواقف متوازنة من أحداث عالمية عاصفة لعلمه بتداخل وتشابك المصالح والمنافع فى عالم اليوم الأمر الذى يقتضى مواقف خطابية مغايرة للخطوات العملية امتصاصا للحماس الزائد والاندفاع المتهور ولعل هذا فعل القيادات والزعامات على مر وكر التاريخ الإنسانى، وأردوغان منهم يعلم أن الحكم كالحرب خدعة له مطلوبات سياسية لا تتضاد وتتضارب مع الأخلاقية التى بني عليها كل تجربته السياسية والحزبية والرئاسية الحالية قمتها ومنتهاها، ولأردوغان مواقف معلنة من القضية الفلسطينية لإسلاميتها وله فيها أقوال تندرج فى المأثور ولكنه يعى أن مصالح تركيا العليا تفرض تماهٍ مع عالم لاتؤمن قواه المؤثرة بالايدولوجيا بل بتحقيق المصالح والمنافع.
صدفة واي صدفة
{ انعقدت قمة إسطنبول الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامى الحكومية إثر الإعتراف الأمريكى باسرائيلية ترمب بدعوة من أردوغان بوصفه رئيس الدورة الحالية للمنظمة لتشرئب الأعناق الى تركيا من الثائرين والباكين على القدس، فيا لها من صدفة وأي صدفة رئاسة أردوغان للمنظمة الإسلامية فى هذا التوقيت وللزعيم التركى مواقفه المحمودة تجاه القدس الشريف بالخلفيات التى اجتهدنا فى لملمة أطرافها من هنا وهناك، وتابع الثائرون القمة وكأنها قمة أردوغان ونسوا فى غمرة ثورتهم الموازنات العالمية وانتظروا جيشا عرمرم يتوجه صوب القدس لتحريرها دعك من إجبار ترمب على التراجع عن قراره باسرائيلية القدس الشريف، ولم يأبه هؤلاء بأثرغياب قيادات لدول بحجم السعودية ومصر والإمارات وفى بالهم على سبيل التذكير موقف مشهود لأردوغان ،أردوغان الذي وقف في عام 2009، ليصرخ في وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز عقب الحديث عن حصار غزة، ويترك جلسة منتدى «دافوس» ويعود إلى تركيا، ليكون في انتظاره الآلاف حاملينه على الأعناق باعتباره بطلا قوميًا لهم، ثم أعقبه أحداث «أسطول الحرية» الذي تعدت عليه السلطات الإسرائيلية، وما أعقبها من تصريحات أردوغان أنه لن يترك حق هؤلاء، إلا أن هذا الأمر لم يستمر طويلا لذات التوازنات ومراعاة المصالح التركية دون غض الطرف لمصالح الانسانية الكلية. جاء عام 2016، لتعلن تركيا عن تفاصيل لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل عقب قطيعة استمرت 6 أعوام، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم وقتها إن تفعيل السفارات وإعادة السفراء لدى الدولتين سيتم حال مصادقة الطرفين على التفاهم ، مشيرا إلى أن البرلمان التركي سيتولى عملية المصادقة ، ومن جانبها ستقوم الوزارات المعنية في تل أبيب ، بالمصادقة لدى الجانب الإسرائيلي.
بين الاغلبيتين
{ وعليه فإن الموازنات الدولية لم تعد تعترف بالأيدولوجيات وكما أسلفنا بتحقيق المصالح المشتركة، فقمة إسطنبول مجرد انعقادها نجاح وحسبها اعلان موقف صريح برفض قرار ترمب مما يعبر عن روح تضامنية تسهم بفاعلية فى المفاوضات لاحقا بين المنظمة، منظمة التعاون الاسلامى والإدارة الأمريكية التى تعاملت مع مخرجات قمة إسطنبول الإسلامية كضرورة أملتها الإرادة الشعبية على قياداتها التى لابد لها من الإنصياع باتخاذ موقف رسمى فى محفل إسطنبول المشحون بعواطف عقدية جياشة ولكنها برأيهم لاتصلح للاستناد عليها محطة لرد الفعل ولتفاوض لاحق يتجاوز هذه الأزمة الخطيرة، وكما قمة إسطنبول مدفوعة بمشاعر مسلمة غامرة، فإن إدارة ترمب تبرر بان قرارها، قرار أغلبية دفعت بها لرئاسة البيت الأبيض، أغلبية أيضا مدفوعة بروح يهودية عقدية، هذا هو الواقع الذى يعلمه الساسة فى كافة الأطراف ويدركه دون غيره الزعيم رجب طيب أردوغان الذى ربما ذكّر قيادات منظمة التعاون الإسلامى أن قمتهم باسطنبول عبادة فيها مواضع للجهر لإراحة الثائرين وفيها مواضع للسر لخدمة القضية ولتحرير القدس.

التعليقات مغلقة.

error: