باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

موسى هلال.. هل بات مطية للمخابرات الأجنبية؟!

1٬126

 

“كنتُ أتحسب لكل شيء.. صليتُ الصبح حاضراً قبل أن أصطحب أربع سيارات دفع رباعي مُحمَّلة بالحرس، كنتُ أخشى أن يتمَّ تحريف حديثي في الترجمة فقرَّرت اصطحاب

أبكر مقدم”.

 

هكذا كان يتحدث زعيم قبيلة المحاميد موسى هلال لحشد من رجاله، وفقاً لتسجيل تسرَّب مؤخراً. وعلى الرغم من أن التسجيل لا يحمل تاريخاً بعينه، إلا أن التحليل العام يُشير إلى أنه تمَّ قبيل لقاء هلال بمساعد الرئيس وقتها إبراهيم غندور في يناير 2015م.

 

هلال يُواجه العديد من الاتهامات بعد اعتقاله الأسبوع الماضي، تتضمن التآمر مع جهات خارجية ضد السودان، وسط بيِّنات تتعلق باعتقال جزائري في مستريحة يحمل أجهزة متطورة، وهو اتهام ينفيه مناصروه، مشيرين إلى أن الجزائري المعني يتبع للطريقة التيجانية، وجاء للمنطقة للمشاركة في احتفالات المولد النبوي.

 

وبغضِّ النظر عن صحة رأي كل طرف، وهو أمر ستحسمه المحاكم أو الأيام، فإن تفاصيل لقاء هلال بعميل المخابرات الأمريكية وعرض استقطابه مقابل ملايين الدولارات، هو ما ظهر في التسجيل الذي تسرب مؤخراً على لسان هلال نفسه.

 

 

العرض الدولاري

 

يروي هلال لأنصاره تفاصيل اللقاء في سياق شرح مطول لعلاقته بالحكومة وتوترها، ويقول إنهم بعد وصولهم لبوابة بعثة اليوناميد اعترضهم الحراس وطالبوهم بالترجل عن مركباتهم، فقال لهم: “أنتم من طلبتم حضورنا وفي حال رفضكم الدخول بالكيفية التي أراها مناسبة فسأعود أدراجي، أعادوا اتصالاتهم ليسمحوا لي بالدخول برفقة موكبي، لتتوقف العربات الأربع التي تُحيط بسيارتي أمام مقر الاجتماع قبل أن أقوم بتوزيع أتباعي حول المكتب مع تعليمات واضحة بألا يخرج أحد حي في حال اعتقالي حتى لو استدعى الأمر قتلي، في تلك الأثناء تردد أن المارينز الأمريكي بصدد اختطافي”.

 

“استمر الاجتماع ساعتين مع عقيد في المخابرات الأمريكية، وعرفني بأنه مستشار للرئيس بوش الابن ويحمل ثلاث رسائل لي، أولها فض تحالف القبائل العربية مع الحكومة السودانية، ثانيها أن هناك عرضاً من الإدارة الأمريكية بمبلغ 16 مليون دولار، والأمر الثالث يتعلق بعلاقتي بالرئيس البشير وكيف تتم مقابلاتي معه”.

 

كان رد هلال بأن الحكومة التي يطالبونه بنفض يده منها تمثل الحكومة الشرعية الحالية للسودان، لذلك فهو يرفض طلبهم، وفيما يتعلق بـ16 مليون دولار فهي بمثابة رشوة وهو لا يقبل أن تتم التنمية وفقاً للمحاصصة القبلية وتمزيق النسيج الاجتماعي، داعياً واشنطن لصرف تلك الأموال على مشاريع تنموية.

 

وفي رده على علاقته بالرئيس البشير “فهي عادية من خلال المؤتمرات العامة، ولكن لا توجد اجتماعات سرية بيننا”، وعندما سأله عن رتبته بالجيش السوداني وفقاً لمعلومات توفرت لديهم بأنه عميد في الاستخبارات السودانية، سخر هلال منهم ومن معلوماتهم، مؤكداً أنه مجرد فرد عادي لا يحمل أي رتبة عسكرية، كما سخر أيضاً من معلوماتهم حول امتلاكه أرصدة مالية ضخمة في البنوك الخارجية.

 

 

 

تكتيك الصدمة

 

وربما لم تكن تلك محاولة الـ(سي آي إيه) استمالة هلال لصالحها الأولى، فالبعض يصف لقاء هلال بالقائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم جيرارد قالوشي هو الأول من نوعه حيث جرى تقييم للزعيم الدارفوري المتهم بارتكاب جرائم في نزاع دارفور عن كثب. اللقاء الذي أشيع أنه تم بتنسيق من مبارك الفاضل وتسرَّب فوراً للصحافة السودانية.

 

غير أن الناشط الدارفوري إبراهيم صديق، يقول إنه من دبَّر ذلك اللقاء وليس الفاضل. ويكشف صديق في تصريحات صحفية أنهم قادوا حملة لتوحيد النسيج الاجتماعي لقبائل دارفور برعاية أمريكية. ويمضي صديق في إفاداته ويقول إن واشنطن كانت ترى أن الخطة لن تنجح إلا بضمِّ قيادات مؤثرة كموسى هلال، ومن هنا جاءت فكرة لقاء هلال بالقائم بالأعمال الأمريكي جيرارد قالوشي في منزله بالخرطوم (2) بحضور المستشار السياسي بالسفارة حينها السيدة جنيس المور، بجانب حضور استخباري أمريكي كثيف.

 

ويقدم صديق تفاصيل اللقاء في تقارير إعلامية سابقة، ويقول: “كانت الأعصاب مشدودة، وكأن الدبلوماسيين الأمريكيين سيلتقون بأسامة بن لادن، لكن فجأة انقلب القائم بالأعمال وبدأ بحديث عاصف حيث اتهم الشيخ موسى بأنه جنجويد ومجرم حرب وأنه تسبب في الإبادة الجماعية في دارفور وقال لهؤلاء وبحدة سوف نعلقه في الهواء هكذا.. ومد يديه واصفاً حالة الشخص المصلوب”.

 

ويمضي صديق في روايته ويقول إن القائم بالأعمال الأمريكي أبلغ هلال أن لدى واشنطن مصالح معه إلا أنهم سيعاقبونه. ويشرح صديق ذلك الموقف وفقاً لتحليله ويقول: “أعتقد أن قالوشي بدأ حديثه بلغة التهديد والوعيد حتى يُرهب هلال وهو ما وتَّر جو الاجتماع”.

 

في مقابل ذلك نجح هلال في قلب الطاولة، حين بدأ حديثه بكل ثقة وهدوء قائلاً لقالوشي إنه ضيفهم في السودان، وإنه لا يخاف إلا من رب العالمين، وإنه كزعيم قبيلة ومسؤول عن كثير من القبائل سوف يظل على نهجه لحمايتهم من قطَّاع الطرق والمجرمين الذين تحميهم واشنطن. ولفت صديق إلى أن هلال كان صريحاً معهم وهو يؤكد أنه لم يأتِ للدفاع عن نفسه، ولا يشعر بأنه متهم وإنما لتوضيح موقف كل قبائل دارفور.

 

قبل أن ينسف هلال (تكتيك الصدمة) الذي استخدمه القائم بالأعمال الأمريكي أثناء الاجتماع ويستأذن لبعض الوقت لأداء صلاة الظهر.

 

بعد الصلاة اعتذرت المستشارة الأمريكية لهلال ومرافقه عن حدة القائم بالأعمال الأمريكي، ليتم استئناف الحوار بنفس بارد.

 

ويلخص صديق المقابلة ويقول إنها قادت لإزالة سوء الفهم بين الولايات المتحدة والقبائل العربية في دارفور باقتناع واشنطن بأن السبب الأساسي للنزاع ليس إثنياً.

 

الاجتماع تم تسريبه للصحافة في اليوم التالي قبل أن يدرك الأمريكيون أن مصدر التسريب كان مبارك الفاضل الذي كان في معية هلال عندما تلقّى موعدها ولم يسمح له منسق اللقاء بحضوره أو حضور مندوب له.

 

 

 

جهة الاتصال

 

ثمة العديد من الشواهد على أن هلال الذي تجاوزت شهرته إقليم دارفور والمحيط الإقليمي بات مثار اهتمام أجهزة المخابرات العالمية التي سعت لأجندات مختلفة للتواصل معه سواء من أجل إضعاف نظام الخرطوم تمهيداً لإسقاطه خاصة عبر استغلال ملف المحكمة الجنائية الدولية. والملاحظة اللافتة هنا أن هلال وُجِّهَتْ إليه اتهامات من قبل مجلس الأمن بتأجيج العنف في دارفور، وبموجب ذلك فرضت عليه وآخرين قيود سفر وتجميد أموال، في قرار بشأن دارفور صدر عام 2006، إلا أن اسم هلال لم يرد ضمن أي مذكرة توقيف لاحقة صادرة من المحكمة، في وقت يتردد فيه أن هلال تلقى عرضاً إضافياً من جهاز مخابرات غربي بالتعاون مع الجنائية كشاهد ملك مقابل منزل في المملكة المتحدة ومبلغ مالي يقدر بنحو 100 مليون دولار.

 

الكاتب الصحفي إسحق أحمد فضل الله يلفت إلى أن الاتهامات التي تتردد عن اتصالات خارجية لموسى هلال لا تعني بالضرورة أن هلال هو من يقوم بالاتصال بالدول المعادية دون أن يفكر أحد في العكس، ويضيف: نحن نحدث منذ زمان عن اتصالات تقوم بها العديد من أجهزة المخابرات من بينها الفرنسية والمصرية.

 

ويلفت فضل الله إلى أن أجهزة مخابرات عالمية تسعى لاتخاذ هلال مطية في حربها الممتدة ضد السودان.

 

 

 

قطع الطريق

 

في كل الأحوال يُمكن القول إن اتصالات أجهزة الاستخبارات العالمية بهلال لم تكن خافية على الخرطوم التي قطعاً تعلم اتجاهها و(من اتصل بمن؟)، ويمكن أن تُدرك دلالات العقوبات المُخفَّفة على هلال ومختلف محاولات استمالته لصالح قوى أجنبية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السلطات السودانية أعلنت مرَّتَيْن التدخل في علاقات هلال الخارجية أولاهما حين أوقفت في مايو الماضي إسماعيل الأغبش الذي يوصف بأنه مسؤول الاتصال السياسي والعلاقات الخارجية للمجلس أثناء توجهه إلى تركيا عبر مطار الخرطوم، أما المرة الثانية فكانت في أغسطس الماضي حين تم الإعلان عن توقيف سبعة من قيادات مجلس الصحوة على الحدود مع ليبيا بدعوى التخطيط لتجنيد ألف مواطن بدارفور لمصلحة الجنرال الليبي خليفة حفتر.

 

وفي ظل العديد من التقاطعات المحلية والإقليمية والدولية يصبح التعاطي مع ملف هلال ملغّماً بالعديد من التعقيدات التي تستدعي التأني، لا سيما أن مواجهة الحكومة معه لم تكن مخططة كما كشفت وزارة الدفاع.

 

ويرى مراقبون ضرورة أن يتم التعاطي بحكمة مع القضية للاعتبارات السابقة.

 

ويدعو الكاتب الصحفي إسحق أحمد فضل الله للتعامل مع القضية بأسلوب غسل القضايا من الأوحال قبل التعامل معها، وأسلوب قراءة (ما وراء إصدار الحكم)، مضيفاً: “إن الأجواء الحالية لا تصلح لمحاكمة موسى هلال”.

 

نقلاً عن السوداني

التعليقات مغلقة.

error: