هنا في الخرطوم، ضجت الدنيا وارتبك المشهد العام قبل عامين، حينما مد الكاتب الصحفي صلاح عمر الشيخ يده مصافحاً السفير الإسرائيلي بأسمرا، في أحد المعارض صدفةً..
كان معرضاَ للمنتجات السودانية، يمكن لأي أحد أن يزور ويتجول فيه.. فجأة وبدون مقدمات، أتى السفير الأمريكي بصحبة السفير الإسرائيلي إلى المعرض، فوجدا صلاح الذي تجاذب معهما أطراف الحديث، لكنه لم يُترك في حال سبيله، بعد أن عمت قصة “مصافحته” القُرى والحضر..
فالتعامل مع إسرائيل سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، يُعرض صاحبه لمساءلة، رسمية وشعبية، فهل تغير الأمر قليلاً؟
السؤال جاء نتيجة معلومة وردت إلى صحيفة (السوداني) تقول إن تليفزيون السودان القومي، اشترى أجهزة بث من شركة إسرائيلية، معروفة، تضع الولايات المتحدة عنواناً تمويهياً لها.
ورغم نفي مدير الهيئة القومية للإذاعة والتليفزيون الزبير عثمان، أن الأجهزة الجديدة التي تم شراؤها “إسرائيلية” الصنع، إلا أن المعلومات العامة تشير، إلى ذلك..
رفض التعامل
التعامل مع إسرائيل طُرح لأكثر من مرة، لكنه ظل مرفوضاً رسمياً وشعبياً، ولعل الدليل على ذلك، النقاشات التي دارت في أروقة الحوار الوطني حول مسألة التطبيع، ورفض الأحزاب السياسية له، واستياء البعض الآخر من التصريحات التي برزت قبل ثلاثة أشهر من وزير الاستثمار مبارك الفاضل الذي دعا إلى التطبيع مع تل أبيب، وليس آخرها استنكار بعض الأجهزة الإعلامية دخول صحفي إسرائيلي إلى السودان، رغم ما نقله عن صورة إيجابية حول زيارته للسودان.
ويبدو أن التليفزيون القومي كسر القاعدة، فاشترى أجهزة بث فضائي تعمل بتقنية متطورة فيما يتعلق بالبث المباشر من شركة إسرائيلية تُدعى ” Live U ” تتجنب معظم الدول الإفريقية والآسيوية التعامل معها نسبة للحساسية المفرطة من إسرائيل.
*معلومات الشركة
من أراد البحث عن معلومة حقيقية، بإمكانه الدخول إلى موقع بلومبيرغ، الذي يعتبر من أكبر الوكالات الإعلامية في العالم، ويُعد مصدراً معتمداً للمعلومات، وقد تأسست الوكالة في تسعينيات القرن الماضي ومقرها مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية.
ما أن تُدخل اسم الشركة ” live u في محرك بلومبيرغ حتى تظهر المعلومات الكاملة عن الشركة والمجال الذي تعمل فيه..
وأظهرت المعلومات أن الشركة تقوم بتصنيع معدات البث التليفزيوني وعدد من المنتجات الأخرى المعنية بجمع الأخبار بصورة احترافية عبر شبكات لا سلكية متعددة، كما أنها تصنع أجهزة مدمجة في نقل الفيديوهات الحية.
ووضع الموقع الوصف التفصيلي للشركة موضحاً أن مقرها في “كفار سابا” بإسرائيل وتأسست عام 2006
وفي مكان آخر عبر الانترت، تحديداً في أحد المواقع الرسمية أظهرت المعلومات أن مؤسس الشركة يُدعى أفخاي كوهين، وأن ميزانية تمويل الشركة تبلغ 50 مليون دولار.
أما موقع الشركة نفسه، فلم يُظهر أنه إسرائيلي، إنما أشار إلى مقر الشركة الموجود أيضاً في الولايات المتحدة بإظهار أرقام هواتف أمريكية.
*كيف تمت عملية الشراء؟
المعلوم أن شركة (لايف) تُصَنع أجهزة بث ممتازة، لا يتفوق عليها من حيث الجودة سوى الأمريكية، لكن المعلوم أيضاً أن القنوات السودانية تميل إلى شراء أجهزة بث نوع “تي في يو”.. “آفي ويست” .. “تيرا ديك” .. ” بوينت فيو” “كويك لينك” وهي شركات ذات جنسيات مختلفة، والوحيدة الإسرائيلية هي “لايف يو”.
علامة الشركة مطبوعة وواضحة على أجهزتها، ومن ضمنها الموجود لدى التليفزيون القومي.
وصل الجهاز الذي يبلغ سعره 25 ألف دولار فقط، عن طريق مهندس عربي، وفر له تليفزيون السودان بيئة مناسبة لتجريب الجهاز، فحضر من الخارج عن طريق اتفاق بينه وبين مهندسين يعملون في التليفزيون القومي.
كان أحد بنود الاتفاق مع الشركة بحسب مصدر موثوق تحدث لـ(السوداني) أن يُجرب المهندس الجهاز في فعاليات مختلفة في الخرطوم وولايات السودان، ويُدرب العاملين عليه، وإن عمل بصورة جيدة، يكتمل بذلك الاتفاق، عملية تسليم الجهاز وتسلم الأموال، واستجلاب أجهزة بث أخرى من ذات الشركة.
وبالفعل تم تجريب الجهاز خلال الأسابيع الماضية، في تغطيات مباشرة من الخرطوم والولايات، وحاز على الرضا.
حادثة مشابهة
لعل البعض يتذكر حادثة قناة الهلال، حينما نشرت إحدى الصحف الرياضية أن السلطات المختصة صادرت جهاز بث يتبع لشركة إسرائيلية، وهو الأمر الذي لم تحاول قناة الهلال الخوض فيه كثيراً، وهو ما دعا لطرح سؤال مهم، هل كان المهندسون على علم بأن هذا الجهاز إسرائيلي؟ وهل حصلوا على إذن مسبق من إدارة التليفزيون؟ أم أن الأمر غير مخطط له؟
يقول مصدر مطلع في حديثه لـ(السوداني) إن أي مهندس خبير في مجال البث، يعلم أن “لايف يو” شركة إسرائيلية، وأنها تحاول إدخال منتجاتها إلى إفريقيا عبر إخفاء هويتها الحقيقية، حيث لا تشير في موقعها الرسمي إلى أنها شركة إسرائيلية ولا ترفع علم إسرائيل في المعارض التي تشارك فيها، إنما تُظهر أنها شركة عالمية لها أفرع في دول كثيرة.
لكن ذات المصدر يؤكد أن هناك ميزات لشراء هذا المنتج الإسرائيلي، من حيث السعر وأيضاً الجوانب الإيجابية الأخرى التي توفرها الشركة.
*هل من خطورة؟
يقول مهندس بث في حديثه لـ(السوداني) إنه لا يرى خطورة في استخدام جهاز بث إسرائيلي لاعتبارين اثنين، الأول، أن الفعالية منقولة على الهواء مباشرة، أي أنها في الفضاء المفتوح، ولا توجد فيها احتمالية تجسس، الأمر الآخر، أن التسهيلات التي تقدمها الشركة لإدخال منتجاتها في عدد من الدول الإفريقية والعربية مغرية، مما يسهل عملية القبول.
لكنه عاد وقال إنه لا يستبعد أن تتمكن إسرائيل من إدخال تقنيات جديدة، لم يكتشفها العالم بعد في هذه الأجهزة، تتيح فرص تجسس أكبر.
وأوضح أن الجهاز يعمل عن طريق الانترنت وأيضاً عبر القمر الاصطناعي.
وقال “ليست الخطورة في استخدام الجهاز، إنما في كسر المقاطعة الموجودة في السودان لكافة المنتجات الإسرائيلية”
*رأي التليفزيون
كان لابد من التقصي أكثر، لذا تحصلت (السوداني) على صور الجهاز ونشرته في هذه الصفحة، وتُظهر الصورة تدريب المهندس العربي لعاملين في التليفزيون.
(السوداني) اتصلت على مدير إدارة الهندسة في الهيئة يوم الخميس الماضي، لكنه اعتذر عن الإجابة إلا بعد مرور يوم الأحد – أي اليوم – وفضل الصمت عن الرد.
غير أن مدير الهيئة القومية للإذعة والتليفزيون الزبير عثمان، نفى لـ(السوداني) أن يكون التليفزيون القومي اشترى جهاز إسرائيلي الصنع، وقال إن المعلومات التي أمامه تشير إلى أن الجهاز أمريكي، وأن الشركة مقرها في دبي، ونوه إلى أن التاجر جاء إلى السودان على حسابه الخاص، وعرض عليهم الجهاز وأجروا عليه تجريب وبعد ذلك وجدوه مناسباً لأكثر من سبب، وتحدث الزبير عن أن أجهزة “إس إن جي” مكلفة لعوامل عديدة، وأن الجهاز بسيط الاستخدام ويحقق الفوائد بأقل تكاليف، ونفى أن تكون المعلومة بطرف (السوداني) صحيحة.
لينا يعقوب- نقلاً عن السوداني
التعليقات مغلقة.