السودان والجنوب.. سياسة الكيد والحرائق!!
ترفض العلاقات بين السودان ودولة الجنوب، مغادرة (غرف الإنعاش) وتظل تعاني من (مضاعفات مستمرة) ونزيف متواصل في الثقة، رغم الاتفاقيات الموقعة بين الخرطوم وجوبا والزيارات المتبادلة إلا أن التواصل الثنائي لم يستأنف بعد على النحو الذي يلبي رغبة الشعبين في علاقات قائمة على التعاون والمصالح المشتركة .
لا أدري لماذا فشلت النخبة الحاكمة هنا وهناك في توظيف ماضي التعايش الطويل لتأسيس علاقة آمنة تراعي أهمية كلا البلدين بالنسبة للآخر.أهملت جوبا الانتباه إلى أهمية الجوار الضامن لاستدامة الأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي،عبثت بها الظنون وساقتها الأجندة وغبائن الماضي إلى الكيد للخرطوم رغم الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة ويد السودان التي سلفت بالعطاء والتواصل والدعم والمؤازرة ومنح تقرير المصير والاعتراف بنتيجة الاستفتاء.
الخرطوم كذلك قنعت من الغنيمة بالصمت واحتمال الأذى واكتفت بدور محدود في إطار منظومة الإيقاد للتواصل مع قضايا الجنوب وفي مقدمتها تحقيق السلام وإيقاف الحرب. الدولة الوليدة تحتاج لاستراتيجية سودانية خاصة تتولى زمام أمرها بالمتابعة والمبادرة واجتراح الحلول، لأن الخرطوم هي التى اكتوت بتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بالجنوب، مثلما عانت من تبعات الانفصال.
الأقسى في كل ماحدث، أننا لم نتمكن من توظيف وجدان النخبة الحاكمة بجنوب السودان والجيل الحالي في تعزيز الشراكة الاستراتيجية الدائمة مع الشمال. وحتى لا يرمينا دعاة الانفصال بـ(الانبطاح) للجنوب؛ فإن قيادات في الدولة الوليدة من الذين ظللنا نلتقيهم على هامش محادثات أديس، ينظرون إلى ضرورة استثمار ما تكنه قيادة الدولة السودانية من حب للجنوب وما تحمله من ذكريات، في تمتين لغة التواصل وربط البلدين بمصالح حقيقية تراعي خاطر (منقو زمبيري) الذي كسره الانفصال.
مازلت متخوفا من ذهاب الجيل الشمالي الهوى، الجنوبي الهوية، دون أن تتأسس لبنات التواصل المستقبلي بين بلدين يسكنهما شعب واحد.
الطرفة الجميلة لأحد قيادات الصف الأول في حكومة دولة الجنوب تقول، إنه ما أن أعلنت نتيجة الانفصال حتى صاح الرجل (وتاني حناكل فول وين؟). باقان أموم كان يسأل عن سكر السودان فور التوقيع على اتفاق التجارة بين البلدين فتجلجل الضحكات عالية ،أموم ظل مدمنا لغناء الحقيبة ومازال يستورد منتوجها في أسواق الكاسيت من أسواق الخرطوم عبر أصدقائه العديدين. الجيل الذي ذهب إلى دولة الجنوب يعشق وردي ويدمن عثمان حسين ويستمع لأغاني ود النصري القادمة من أعماق الوجدان الشمالي.
قبل الاستفتاء كان الدكتور حسن الترابي يقول إن الجنوبيين صوتوا لصالح الوحدة بـ(أرجلهم)، فلقد قطنوا أقاصي الشمال منذ وقت بعيد، ولكن ماذا نفعل في تصاريف السياسة؟.
على القيادات في الدولتين الانتباه إلى حقيقة واحدة تقول إن التفاهم والتعاون المشترك هو السبيل الوحيد لتحقيق أمن واستقرار ورفاهية الشعبين في السودان ودولة الجنوب. ورغم كل ما حدث إلا أننا مازلنا ننتظر استراتيجية تتبناها الخرطوم للاقتراب أكثر من قضايا الدولة الوليدة، ونأمل من جوبا الانتباه إلى مخاطبة شواغل السودان العديدة والانصراف لتأسيس علاقة قائمة على التعاون بعيدا عن الكيد وتدبيج الرسائل الحارقة
التعليقات مغلقة.