باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

حيدر المكاشفي: أبريل يتجلى في ديسمبر

بشفافية

1٬202

خلال السنوات الماضية كانت ذكرى انتفاضة أبريل تمرُّعليناعلى استحياء،ولكنها هذه المرة غير،اذ أنها تتجدد وتتجلى في انتفاضة ديسمبر التي ما تزال جذوتها مستعرة،وكعادتي كلما عادت علينا ذكرى انتفاضة أبريل،أعود بدوري لأتذكر ما أعتبره شخصياً من أهم الأدوار التي ساهمت في إنجاحها،رغم أن الشريحة التي أدت هذا الدور باقتدار هي شريحة «الشماشة» المنبوذة والمحتقرة.
وعلى ذكرى انتفاضة أبريل تعود بي الذاكرة الى تلك الأيام المجيدة العجيبة، لا لأتذكر وقفة الجيش والشرطة والتحامهما مع الجماهير،ولا عن موقف النقابات فرادى وجماعات،ولا عن «ركزة» الطلاب والطالبات،وبالضرورة سيتجاوز حديثي سوار الدهب والجزولي دفع الله وعمر الدقير؛الذين كانوا يشكّلون رموزاً وواجهات لكل هذه الجهات على التوالي، بل أتذكر بكل الإعجاب التحول العجيب الذي طرأ على سلوك شريحة ليست مغمورة فحسب،بل مطمورة تحت أنقاض المدن،تعيش داخل قيعانها ومجاريها وتتغذى على فضلاتها،منبوذة ومطرودة من رحمة الوطن،لا يُذكر اسمها إلا مقروناً بكل ما هو شائن وقبيح ومجافٍ لما استقرت عليه أعراف المجتمع وأخلاقه المرعية،فكان عجيباً وغريباً أن تتحول شريحة موسومة بكل هذا السوء ومعطونة في وحل القاذورات لتصبح فصيلاً متقدماً من فصائل الانتفاضة،تجد الاعتراف وتنال الإعجاب لدرجة أن صحافياً مخضرماً أطلق على صحيفته التي أصدرها عقب الانتفاضة اسم «الشماشة» عرفاناً بدورهم فيها…
ففي الوقت الذي كان الناس يخشون من دور قذر يقوم به الشماشة،كأن يندسوا بين أمواج المتظاهرين ليمارسوا الخطف والنشل،أو أن يستغلوا فرصة خلو الدور من أهلها لانخراطهم في التظاهرات فيهجموا عليها،أو أن يهتبلوا السوانح التي كثيراً ما تهيأت لهم لنهب الأسواق والمحال التجارية،إذا بالشماشة يفاجئون أعدى أعدائهم بوقفة ومشاركة لم يكن ينتظرها منهم أكثر المتعاطفين معهم،فقد تركوا كل ما اعتادوا عليه وراء ظهورهم وتقدموا الصفوف يهتفون ويمارسون الاحتجاج على طريقتهم،ومما يُحفظ للشماشة ويُحمد لهم قبل ذلك هو أنهم ببسالة لم تتهيب غلظة قوات مكافحة الشغب كانوا أهل السبق في كسر حاجز الرهبة الذي فتح الطريق للآخرين،وإن أنسى فلن أنسى ما حييت صورة ذلك الشماشي من معتادي النشل الذي بدلاً من أن ينحشر بين جموع المتظاهرين ليتصيّد جيوبهم بخفة وبراعة عُرف بها كما حدثني رقيب أول شرطة كان ضمن سرية تتابع وتراقب تلك التظاهرة،بدلاً من استغلال هذه الأجواء المواتية،كان ذاك الشماشي يتقدم الصفوف وهو يحمل علم السودان القديم بألوانه الثلاثة؛ الأزرق والأخضر والأصفر يلوّح به عالياً.
لقد كان للشماشة دور مؤثر في انتفاضة أبريل لا يجب القفز فوقه حين تأتي ذكراها،ولهذا دائماً ما أحرص على إيفائهم هذا الحق المستحق حين أجد من يحيون ذكراها يدبجون المقالات ويجرون الحوارات عن كل شيء ومع كل من له صلة بالانتفاضة إلا هؤلاء الشماشة لهم التحية والتقدير في ذكرى انتفاضة كانوا أحد قادتها المغمورين.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: