باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

محمد محمد خير يكتب: وتمُرِّي بي عهد الرشيد ويغني ليكي الموصلي

1٬164

كانت هذه الأغنية هي آخر لحن للفنان الراحل عثمان حسين، توقف بعدها عن التلحين و(توهط) في تراثٍ لحنيٍّ ثرّ ما انفكَّ الباحثون في علم الموسيقى يعيدونه لمصطلحات العلم فيُصابون بالدهشة.

كلمات الأغنية للشاعر الفذ المرحوم عثمان خالد، وكنت أنا شاهد عيان على ولادتها وكتابتها وتسليمها بحي الزهور لعثمان حسين. كان ذلك في العام 1979م.

سرني كثيراً أن جمعيَتي الطابية والمركز الهولندي أقامتا ليلة تأبين عثمان خالد بود نوباوي، كنت أزمع حضور ذلك التأبين الذي يصادف الذكرى التي مرَّ عليها عقدان كاملان من الزمان، لكن حادثاً طرأ حال دون حضوري ذلك الواجب الكبير.

في العام 1968 صدح الفنان حمد الريح بكلمات جديدة على الأغنية السودانية نقلتها نقلة نوعية على صعيدي المفردة والصورة الشعرية:

يا قلبي المكتول كمد

أعصر دموع
هات غنوة لي سيد البلد.

أكاد أجزم أن الرواج الذي لاقته هذه الأغنية والاصطفاف حولها لم تجده أية أغنية سودانية من (لحظك الجراح) حتى (قنبلة، حلاة الزول في الطول و العلا). طبعت هذه الأغنية بمفردها في شكل ديوان يحوي قصيدة واحدة فقط عنوانه (إلى مسافرة)، مُذَيّل بصورة لعثمان خالد ولم تبق منه نسخة واحدة على قيد الحياة في ذلك الأوان الطيب!

أخلص عثمان خالد للشعر عامة وللشعر الغنائي وللأفعال الشعرية؛ كأن الله قد خلقه لمهمتين: أن يكتب الشعر الغنائي وأن يداعب ابنه خالد الذي كان يناديه بـ(يا ولدي يا حبوب).

كان مسكوناً بقلق لم أره من قبل وكانت السيجارة هي من يستخدمها لتبديد القلق ومضاعفاته. كان لا يتوقف عن التدخين إلا إذا كان نائماً، ويهيأ لي أنه في نومه يحلم بالشريكين (بنسون) أو (هدجز) لأنهما صنعا تبغاً خاصاً بالسودان.

ليمنح الشعر حقه الكامل، ترك وظيفته المرموقة في بنك السودان (زمن الجنيه أب جمل) ذلك الذي لم يكن يجرؤ الدولار على الاقتراب منه لوجاهته وجاهه الذي يستمده من القطن والكركدي والسمسم والمحصولات النقدية والصمغ العربي، كانت صورة الجمل في الأمام وخلفه توقيع السيد (الفيل) محافظ البنك. رحم الله كل ذلك الجمع: عثمان والجمل والجنيه والسيد الفيل!!

كان عاشقاً مطبوعاً وذائباً في المذهلات وحاضراً بهن:

أهديك حروف ما قالا زول

قبلك ولا ليل غازلا،

وأخلي كل الكون يقول:

عثمان يذوب في مذهلة،

و تقولي لا!

بعد أجاويد وواسطات، اقتنع عثمان باستبدال اسمه في اللحن (بفنان يذوب في مذهلة)، تحياتي لعبد العزيز المبارك في هذا الصباح المبارك.

مرت عشرون عاماً على رحيل النيزك الشعري عثمان خالد وكبر (يا ولدي يا حبوب) وأصبح طبيباً. أحيي هذه الذكرى الموجعة بأطنان الحزن الذي يليق بها، وأرسل تحياني لابنه خالد ولأرملته آسيا وللكابتن محمد عبد الله مازدا فقد كانت لنا في القلعة ليالٍ زاهيات في حياة المرحوم عثمان خالد.

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: